ضمن أكثر مئة شخصية تأثيراً في العالم... لينا غطمي لـ"النهار": العمارة علم آثار للمستقبل

لبنان 10-10-2025 | 09:05

ضمن أكثر مئة شخصية تأثيراً في العالم... لينا غطمي لـ"النهار": العمارة علم آثار للمستقبل

تحكي لينا لـ"النهار" عن مشروعها الأخير في العلا كما يتحدث شاعر عن قصيدته. تقول: "في علم الآثار نحفر ونراقب ونفسّر، وفي عملي المعماري أفعل الشيء نفسه — أنصت للموقع، أدرس ثقافته المادية وسكانه وقصصه. لكن بدلاً من إعادة بناء الماضي، أرسمه للمستقبل.
ضمن أكثر مئة شخصية تأثيراً في العالم...  لينا غطمي لـ"النهار": العمارة علم آثار للمستقبل
المهندسة لينا غطمي (مواقع)
Smaller Bigger

في صحراء العلا، حيث تتقاطع طبقات الزمن كصفحاتٍ مفتوحة على الأبد، تتقدّم لينا الغطمي بخطواتٍ هادئة، كأنها تُصغي إلى نبض الأرض قبل أن ترسم أول خطّ في مشروعها الجديد: "متحف الفن المعاصر". هناك، وسط الامتداد الذهبي الذي يعيد الإنسان إلى بداياته الأولى، يتجلّى نمط العمارة الذي تنتهجه المهندسة اللبنانية بوصفه فعلَ اكتشافٍ أكثر منه تشييداً، واستحضار ما تخبّئه الذاكرة في طبقات المكان — إنّه، كما تسمّيه هي، "علمُ آثار المستقبل".

 

تحكي لينا لـ"النهار" عن مشروعها الأخير في العلا كما يتحدث شاعر عن قصيدته. تقول: "في علم الآثار نحفر ونراقب ونفسّر، وفي عملي المعماري أفعل الشيء نفسه — أنصت للموقع، أدرس ثقافته المادية وسكانه وقصصه. لكن بدلاً من إعادة بناء الماضي، أرسمه للمستقبل. أيّ مستقبل يمكن أن ينبثق من هذه الآثار؟".

 

لينا الغطمي (مواقع)
لينا الغطمي (مواقع)

 

 

بالنسبة إليها، المسألة ليست في الشكل بقدر ما هي في المعنى، في محاولة استخراج الجديد من المألوف، وتوليد الاستثنائي من رحم المكان.

وجه آخر للحياة

العلا مدينة علّمتها وجهاً آخر للحياة. من طفولتها في زمن الحرب، خرجت لينا بحدسٍ معماري نادر: أن البناء فعل مقاومة، وأن الجدران يمكن أن تكون ذاكرة جماعية بقدر ما هي حماية. تقول: "نشأتُ خلال الحرب، فعرفتُ أن العمارة ليست فكرة مجردة، بل حسّية. رأيتُ أطلالاً كانت تجمع العائلات والضحكات، ثم الصمت. جعلتني تلك التجربة أكثر حساسيةً للهشاشة، وأكثر إيماناً بقدرة العمارة على جمع الناس".

 

لينا الغطمي
لينا الغطمي

 

حنين البدايات

درست لينا الغطمي الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت، حيث اكتشفت أن العمارة ليست مجرّد هندسة، بل لغة تروي الحنين وتعيد صياغة الزمن. واختارتها "التايمز" ضمن قائمة أكثر مئة شخصية تأثيراً في العالم.

 

 

شركة... وإنجازات

وحين استقرت في باريس، أسّست Lina Ghotmeh Architecture" (LGA)"، شركة تجمع بين البحث والإبداع، وبين الحِرفة والرؤية. كان مشروعها أشبه بورشةٍ فلسفية تُعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان. من المتحف الإستوني الوطني الذي نال جائزة عام 2006، إلى مشروع Réalimenter Masséna الذي يستمدّ طاقته من الخشب والغذاء المستدام، وصولاً إلى Precise Acts – Hermès Workshops، أول مبنى صناعي في فرنسا يقلل استهلاك الطاقة، نسجت لينا خريطةً معماريةً تتنفس الشعر والفكر. وفي عام 2025، اختيرت لقيادة إعادة تصميم المعارض الغربية للمتحف البريطاني في لندن، بعد منافسة امتدت تسعة أشهر، لتؤكد أن العمارة حين تصدر عن الإحساس، تتجاوز الحدود والمناصب.

 

من مشروع العلا
من مشروع العلا

 

أشرفت على أكثر من خمسين مشروعاً يمتدّ بين المواقع الأثرية والمتاحف والفضاءات الثقافية في العالم، ونالت عام 2023 جائزة "نوابغ العرب" في مجال التصميم والعمارة. أعمالها، من "ووندرلاب" في بكين إلى المتحف الإستوني، تحاكي الشعر بالحجر، والضوء بالظلّ، وتبقى شاهدةً على جيلٍ يؤمن بأن الجمال ليس زينةً للمكان، بل طريقة حياة.

العلا

في مشروعها الصحراوي، لا تتعامل غطمي مع الصحراء كخلفية، بل كشريك في التصميم. تتأمّل اتجاهات الرياح والظلّ، وتستخرج من الطين المدكوك جدراناً تتنفس، ومن الفراغات ضوءاً يتحرّك كما لو أنه كائن حيّ. تصف فلسفتها بـ"الضيافة المناخية" — أي أن يعيش المبنى مع الطبيعة لا ضدها، وأن يصبح امتداداً لعناصر الأرض نفسها. تقول: "العمارة ليست بناءً منفصلاً عن محيطه، بل انتماء. وأنا أتعامل مع الموقع كما أتعامل مع شخص حيّ — أنصت إليه قبل أن أجيب".

 

 

 

وماذا عن مصدر إلهامها: أهو الذاكرة أم الطبيعة أم التجربة الإنسانية؟ تجيب: "هي متلازمة. الذاكرة تمنحنا معنى وتجعلنا بشراً، الطبيعة تمنحنا الثبات والرهبة، والتجربة الإنسانية تمنحنا الغاية. في ورش عمل هيرميس عملنا على تراب الموقع نفسه — كان ذلك عن تضافر الطبيعة والذاكرة. أما في "ستون غاردن" في بيروت، فقد دمجنا ملمس المدينة في برجٍ عمودي حديث. تجتمع هذه الطبقات لتُشكّل شيئاً إنسانياً عميقاً.

 

 

تبدو مشاريعها كأنها محاولات لكتابة الشعر بالحجر. ولكن: متى تشعر بأن مشروعها اكتمل؟ تبتسم مشكلة ملامحها: "عندما يبدأ بالتنفس من تلقاء نفسه".

تؤمن لينا بأن المبنى يكتمل فقط حين يسكنه الناس، حين يضيفون إليه تفاصيلهم الصغيرة، أصواتهم، وأشياءهم اليومية. "بعد سنوات من تسليم أيّ مشروع، أعود لأزوره، لأرى كيف يعيش الناس فيه. حينها فقط أعرف أنه صار حقيقياً".

 

تكنولوجيا... ونمذجة

تحكي عن التكنولوجيا بعينٍ ناقدة. فهي تستخدم الأدوات الرقمية والنمذجة، لكنها تحرص على ألا تفقد حسّها اليدوي. تقول: "الذكاء الاصطناعي أداة، ويجب أن يبقى كذلك. يستطيع تسريع العمليات، لكنه لا يستطيع الشعور، ولا تتبّع الذاكرة، ولا فهم ثقل الصمت في مكانٍ ما".

 

 

وتضيف: "في جناح سربنتين أو جناح البحرين، عملنا مع حرفيين استخدموا أساليب تقليدية — نجارة خشبية بلا مسامير، وطوباً مصنوعاً يدوياً من تربة محلية. هذا الارتباط باليد يُبطئنا ويُعيدنا إلى الإيقاع الطبيعي للأرض".

بين الشرق والغرب تتوزع مسيرتها. من بيروت إلى باريس، من لندن إلى العلا، لكنها لا ترى في ذلك انقساماً. تقول: "ربما يحمل وطننا في طيّاته عمقاً وسرداً وزمناً مختلفاً. هناك نوعٌ من البطء والشاعرية يتوق إليه العالم السريع أحياناً. أحاول بناء جسور — مساحاتٍ تحمل أصداء المشرق لكنها تتحدث بلغة عالمية. الذاكرة والضوء والأرض — هذه ليست أفكاراً إقليمية، بل إنسانية بالكامل".



شرق... وغرب


ولدى السؤال هل مشاريعها محاولة لتصحيح صورة الشرق في المخيّلة الغربية، تهز رأسها بابتسامة هادئة: "لا أقول تصحيح، بل إضافة طبقاتٍ جديدة. منطقتنا غنيّة ومعقدة. أريد أن أروي قصصها — الحميمة، الواقعية، المتعددة".

 

 

 

يمتدّ حديثها عن العمارة إلى ما يشبه الفلسفة الوجودية، فهي ترى في الاستدامة ضرورة أخلاقية لا تقنية. تقول: "ليست خياراً تجميلياً، بل مسؤولية. الجمال والعناية متشابكان — حين نستخدم موادّ محلية ونبني مع المناخ لا ضدّه، نبتكر جمالاً راسخاً ينبع من المكان نفسه".

 

 

 

وبصفتها امرأة عربية تعمل على مشاريع كبرى من المتحف البريطاني إلى بينالي البندقية، تشدد على أن العمارة تحتاج إلى مزيد من الأصوات النسائية. تقول بابتسامة حازمة: "العالم بحاجة إلى المزيد من أصواتكنّ ومواهبكنّ. كل جيل يفتح الباب أكثر قليلاً".



 

سيمفونية

وماذا عن المدينة المثالية التي قد تبنيها يوماً، تجيب: "أريدها كسيمفونية، بيتاً للذاكرة وجسراً بين ما مضى وما سيأتي. مهمتها، ببساطة، أن تُعيد إلينا الإنسان في قلب الحجر".

 

أما عن حلمها المعماري، فتختصره بـ: "ما هو قادم".

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
اسرائيليات 10/9/2025 3:20:00 PM
جلس في أحد المقاهي البيروتية واحتسى فنجان قهوة بين الزوار المحليين.