لبنان 07-10-2025 | 14:19

ملحم خلف والمادة 110... صوت القانون وسط ضجيج السياسة

جوهر القضية يكمن في احترام القانون، لا في الانزلاق إلى تسويات سياسية خارجه
ملحم خلف والمادة 110... صوت القانون وسط ضجيج السياسة
النائب ملحم خلف (أرشيفية).
Smaller Bigger

في خضمّ السجالات السياسية التي طبعت الجلسة التشريعية الأخيرة، حيث ارتفعت حدّة الخطاب بين الكتل النيابية وغاب المنطق القانوني، سُجِّلت مداخلة لافتة للنائب ملحم خلف شكّلت نقطة ارتكاز وقدّمت مخرجاً دستورياً وأخلاقياً من مأزق تعطيل النقاش.

 

الانطلاقة جاءت ممّا أعلنه وزيرا الداخلية والخارجية عن استحالة انتخاب النواب غير المقيمين على المقاعد الستة المخصّصة لهم. تخطِّياً لهذه الاستحالة، تدخّل خلف بمداخلة "بالنظام"، مستنداً إلى أحكام النظام الداخلي للمجلس النيابي، ولا سيّما المادة 110 منه، التي تُلزم رئيس المجلس إدراج أي اقتراح قانون معجّل مكرّر في جدول أعمال الهيئة العامة لمناقشته، إذا تقدّم أي نائب بمذكرة معلَّلة في هذا الموضوع، من دون أن يكون للرئاسة حقّ تجاهل ذلك.

 هذه المداخلة لم تكن مجرّد اعتراض سياسي، بل مثّلت الموقف القانوني الوحيد والصحيح في لحظة اختلط فيها الكلام بالشعارات. وبينما انشغلت الصحافة بقراءة سياسية للجدل، غاب عن كثيرين أنّ ما طرحه خلف أعاد النقاش إلى سكّته الصحيحة: إلى القانون، بوصفه الحكم بين الأفرقاء والضابط لمسار الجلسات.

 والأهم أنّ خلف قدّم، إنفاذاً للمادة 110 من النظام، مذكرة خطية معلَّلة تطالب بمناقشة الاقتراح وفق الأصول، وقّعها أيضاً النائب إبرهيم منيمنة، لكن رئاسة المجلس أهملتها خلافاً للنصوص. 

 

هذه الواقعة لا تعكس فقط اعتباطية إدارة الجلسات، بل تكشف ثغرة أخطر: التخلّي عن تطبيق النظام الداخلي الذي يشكّل الضمان الوحيد لحماية العمل البرلماني من المزاجية والصراع السياسي، بحسب نواب يرون أن المادة 110 ألزمت رئيس المجلس إدراج القانون في جدول أعمال الهيئة العامة لمناقشته.

من جهته النائب في كتلة "التنمية والتحرير" قاسم هاشم يقول لـ"النهار" أن "النظام الداخلي أعطى رئيس المجلس الحق في تحديد كيفية إدراج القوانين في جدول الأعمال بتوافق هيئة مكتب المجلس وبصلاحيات  الرئيس، لا على أساس الاستنسابية، بل انطلاقاً من الواقع والظروف التي تحكم مسار العمل التشريعي. فلبنان بلد ذو تركيبة حساسة ومعقدة، والمطلوب دائماً البحث عن السبل التي تحافظ على استقراره في مختلف الظروف".

أما بالنسبة إلى مشاريع القوانين المعجّلة المكرّرة، فهي بحسب هاشم "أمر طبيعي في الظروف الاستثنائية، لكن إدخالها في تجاذبات سياسية أو نقاشات حول "الأفضلية" لأي اقتراح، لا يخدم المصلحة العامة. فالخيارات في نهاية المطاف يجب أن تراعي مصلحة البلد وتجنّب المجلس أي توترات إضافية، خصوصاً في المراحل الدقيقة".

ويعلل قوله بأن "القانون وُضع أساساً لحماية المصلحة العامة والحفاظ على الاستقرار، وليس لزيادة التوترات. وإذا كانت بعض المذكرات أو الاقتراحات تنطلق من حسابات أو مصالح سياسية ضيقة، فمن الطبيعي أن تُتَّخذ خيارات تنسجم مع المصلحة الوطنية وتخفّف من حدة الانقسام. لبنان اليوم في أزمة عميقة، ويحتاج إلى تعاطٍ عقلاني وهادئ، لا إلى خطوات تزيد الوضع تأزماً".

يتحدث هاشم عن نيات بعض الأطراف الاختباء خلف مواد النظام الداخلي لتسجيل مواقف سياسية أو للمزايدة، "فيما المطلوب اليوم تخفيف التوتر لا زيادته. لا وجود لما يسمى "مخالفة للدستور" في هذا السياق، لأن الدستور والقوانين وُجدت لخدمة مصلحة الناس وحماية المجلس، وهذا ما يجب أن نتمسك به دائما".

وبالعودة إلى المذكرة المعللة والمادة 110، يرى أنه "يجب ألا يغيب عن بال مقدّمي المذكرة أن اقتراحهم بات جزءاً من مجموعة اقتراحات أخرى تتعلق بملف الانتخابات النيابية، وهذه الاقتراحات أحيلت على اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجنة النيابية المشتركة المكلفة درس قوانين الانتخابات".

وبالتالي، فإن هذا الملف أصبح في عهدة اللجنة المعنية التي تعمل على البحث في مجمل الاقتراحات المرتبطة بالانتخابات، ولا يمكن رئيس المجلس أن يطرح اقتراحاً واحداً بشكل منفرد خارج هذا الإطار، لأن جميعها تُدرَس ضمن سلة واحدة ومقاربة شاملة.

 

من هنا، فإنّ النقاش حول تعديل القانون أو عدم تعديله يبقى شأناً ديموقراطياً خالصاً يخضع للتصويت والأغلبية. لكن جوهر القضية، كما أضاء عليها خلف، يكمن في احترام القواعد، لا في الانزلاق إلى تسويات سياسية خارج إطار القانون.

ورغم الخلاف في تفسير المادة بين الطرفيّن، أعاد خلف وزملاؤه على الأقل، التذكير بأنّ وظيفة النائب لا تختصر بالاصطفاف، بل تقوم على التمسّك بالمؤسسات وبالنصوص التي وُجدت لضبط الخلافات. وفي زمن يتراجع فيه صوت القانون أمام ضجيج السياسة، شكّل موقفه بوصلةً دستورية تعيد الاعتبار إلى البرلمان "كفضاء للتشريع، لا ساحة لتصفية الحسابات"، وهو مطلب يطالب به كل الأطراف في البرلمان، ولكن العبرة في التنفيذ.

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته.