مطالبة سابقة بإلغائها والأجهزة لم تتجاوب... جريصاتي: وثائق الاتصال والضرورة الامنية

ما هي وثائق الاتصال؟ وهل تعدّ ضرورة للأمن الوطني في ظل حاجة الأجهزة الأمنية إلى معلومات قبل توقيف المشتبه فيه ومخابرة القضاء؟ ولماذا طالبت الحكومات بإلغائها؟ قبل أيام أوقف أحد الأشخاص في مطار رفيق الحريري الدولي، وتم التداول أن التوقيف جاء بناء على وثيقة اتصال، وهي البرقيات المنقولة المعروفة برقم 303.
وبعد التدقيق في قضية التوقيف تبين أن الأمن العام ينفذ مذكرة قضائية لا وثيقة اتصال، فالأخيرة تصدر من دون إشراك القضاء فيها.
منذ سنوات، ولا سيّما بعد تصاعد موجة الأعمال الإرهابية في لبنان من خلال تفجيرات انتحارية وإطلاق صواريخ على الأراضي اللبنانية، كانت تنفذها جماعات إرهابية ولا سيما تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة"، إضافة إلى "كتائب عبد الله عزام" وغيرها، لجأت الأجهزة الأمنية إلى تعزيز وثائق الاتصال، وهي مذكرات صادرة عن الأجهزة الأمنية لجمع معلومات أو توقيف أشخاص لاستكمال التحقيق في قضايا تخص الأمن الوطني.
لكن لجنة الدفاع النيابية سبق أن ناقشت قضية وثائق الاتصال بعد مذكرة رئيس الحكومة نواف سلام بإلغائها، وأكدت تأييدها للمذكرة وضرورة إلغاء تلك الوثائق.
وثائق الاتصال تعدّ بالآلاف في السنوات السابقة، وتزامن إصدارها مع مرحلة شابها التوتر في لبنان، ومنها ما كان يجري من اشتباكات في الشمال، وخصوصاً المعارك بين جبل محسن والتبانة، فضلاً عن موجة التفجيرات التي عرفها لبنان بدءاً من العام 2013 وأدت إلى استشهاد المئات من اللبنانيين.
يشير الوزير السابق للعدل سليم جريصاتي إلى أن تلك الوثائق تصدر لدى ممارسة الأجهزة الأمنية الأمن الاحتياطي، ولدى ممارستها تلك المهمة، قد يكون غير متاح لها أن تأخذ رأي القضاء، ولكن الأهم في كل ذلك الحفاظ على حريات الأشخاص وعدم تجاوز القضاء وعدم اتخاذ أي تدبير حاجز للحرية.
ويوضح لـ"النهار" أن "خطورة الوثائق تكمن في أنها حاجزة للحريات، لأن ممارسة الأمن الاحتياطي لا تعني تجاوز القضاء أو عدم الحاجة إلى موافقته، من منطلق أنه هو الضامن للحريات العامة والخاصة، ولا شيء في القانون يشير أصلاً إليها".
ويلفت إلى أن "الحاجة تكمن في لجوء جهاز أمني إليها عند صعوبة التواصل الفوري مع القضاء، وذلك لحاجات أمنية محددة، استباقية أو احتياطية، لكون تلك الوثائق قد تُستخدم لتقاطع معلومات محددة عن شخص معين أو للحصول على معطيات لأسباب أمنية. لكن الشرط الأساسي في كل هذا هو عدم اتخاذ أي تدبير يمسّ حرية الفرد، كتقييدها أو منع السفر، أو منع الكلام، أو فرض توقيع تعهدات خطية خارج الرقابة القضائية".
ويلفت إلى أنه في الحالات التي يكون فيها للأجهزة الأمنية صفة ضابطة عدلية، يجب أن تكون الممارسات حتماً ضمن الإطار القضائي، لا خارجه.
وبحسب جريصاتي، الأساس هو ضمان الحرية وعدم تجاوز القضاء على الرغم من ضرورة اللجوء إليها بحسب حاجة الأجهزة الأمنية، "وهناك بعض المعلومات ذات الحساسية التي تحتاج إليها الأجهزة وأحياناً لا تجد ضرورة لوضعها بتصرف القضاء، ليس لأنها لا تريد ذلك بل لأن المعلومة غير مكتملة لمراجعة القضاء في شأنها".
كل الحكومات اتخذت قرارات لإلغاء وثائق الاتصال بسبب تعارضها وأحكام الدستور والقوانين المحلية والشرع الدولية. وما بين ضرورة ضمان الأمن الاحتياطي وحجز الحرية من خارج الرقابة القضائية، تبقى وثائق الاتصال محط جدل بين الحكومات المتعاقبة والأجهزة الأمنية، مع التشديد على ألا يتم استخدامها من دون ضوابط، ما يفقدها الهدف الذي وجدت من أجل تحقيقه.