تواظب وزارة الخزانة الأميركية على الإعلان عن مكافآت مالية لمن يدلي بمعلومات عن شخصيات تتهمها واشنطن بتمويل "حزب الله". فما الهدف من تلك الإعلانات ما دامت لا تصل في معظم الأحيان إلى نتائج عملية؟  او انها تصل الى خواتيم جزئية غير منظورة من العموم؟ 

لا تخفي واشنطن سعيها إلى تجفيف ما تسميه منابع تمويل "حزب الله"، وكان المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط توم برّاك قد أعلن في إطلالته الأخيرة أن "هناك مبالغ مالية شهرية تصل إلى الحزب من مكان ما، قيمتها 60 مليون دولار".
لم تكن سلسلة التوقيفات في مطار الرئيس رفيق الحريري الدولي-بيروت لأشخاص يحملون مبالغ مالية من قبيل المصادفة، وإنما تتماشى مع طلبات تجفيف منابع تمويل "حزب الله"، سواء كانت تلك المبالغ للحزب مباشرة أو أن هناك شكوكا في وجهتها. وشهد المطار توقيفات لأشخاص لبنانيين وغير لبنانيين كانت في حوزتهم مبالغ مالية ولم تصدر أي توضيحات عن توقيفهم.

بيد أن ذلك جاء في سياق متزامن مع القرار الأميركي منع وصول الأموال إلى الحزب. 

يعتقد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن هدف الإعلان عن مكافآت هو "خنق الحزب مالياً ومكافحة الإرهاب وتبيض الأموال".

ويوضح لـ"النهار" أن "الإدارة الأميركية مجبرة على إصدار القرارات في شأن تبيض الأموال ومكافحة الإرهاب ما دام التمويل يتم بالدولار، أي بالعملة الأميركية. وفي حال عدم تمكن الإدارة من توقيف المتهمين بتلك الجرائم في عملية نظامية كلاسيكية، فلا يكون أمامها سوى الإعلان عن المكافأة بهدف الوصول إلى المتهمين الذين يتداولون عملتهم، والأمر مشابه للإعلان عن رصد مبالغ مالية بهدف الحصول على معلومات تفيد في توقيف مطلوبين للعدالة الأميركية".
يستغرب أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور طلال عتريسي، من جهته، أن تعلن الولايات المتحدة اليوم عن مكافأة ما للإبلاغ عن متهمين بتمرير الأموال للحزب، ويقول: "واشنطن تتحدث عن انتهاء الحزب بعد التطويق المالي له ومنع الطيران الإيراني من الوصول إلى بيروت".

ويوضح لـ"النهار" أن "الإعلان الأميركي يبدو كأنه عودة إلى ما قبل الحرب عندما كانت الولايات المتحدة تخصص مثل هذه المكافآت، والواضح أن هناك شعورا عندها بأن الأمور ليست ممسوكة وخصوصا لجهة تمويل الحزب، ما استدعى إعادة توجيه الأنظار إلى بعض المسؤولين، الأمر الذي يضع حياتهم في خطر أو يجعلهم في دائرة الاستهداف".

وتأتي تلك الإجراءات الأميركية في موازاة الاستهداف العسكري المباشر من تل أبيب لـ"حزب الله"، إضافة إلى الاستهداف الأمني بالشراكة، ليس فقط بين تل أبيب وواشنطن وإنما بمساعدة من قوى دولية وحتى حلف شمال الأطلسي (الناتو). أما الاستهداف المالي فتتولاه واشنطن بنفسها من خلال العقوبات التي تفرضها دوريا على كيانات وشخصيات تقول إنها مرتبطة بالحزب.

وفي مراجعة للقرارات الصادرة عن وزارة الخزانة في شأن المكافآت، فمنها ما عرض مبلغ 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات عن حسيب هدوان وعلي الشاعر، وتتهمهما واشنطن بتمويل الحزب.

ولكن لم يعلن سابقاً عن تلقي معلومات مفيدة أفضت إلى القبض على "المتهمين"، ما يطرح التساؤل عن جدوى إعلان المكافآت، فيما المشهد ميدانياً مختلف، إذ خلال الحرب الإسرائيلية التي استمرت 66 يوماً كان هناك استهداف لمسؤولين ماليين في الحزب ومنهم من كان يوزع الأموال على النازحين في المناطق شمالا وجبلا وجنوبا.

إلى ذلك، يبقى التشدد على المعابر البرية والبحرية والجوية في لبنان ضمن سياق منع وصول الأموال إلى "حزب الله"، ولا سيما في ظل الحاجة إلى الأموال لإعادة الإعمار وإنجاز الترميم ودفع بدل الإيواء لعشرات آلاف العائلات التي فقدت منازلها خلال الحرب.