سياسة 26-09-2025 | 05:40

حسن نصرالله: من النشأة إلى الاغتيال

سيرة نصرالله مسار متناقض، من تقديم نفسه محرّرا عام 2000 إلى منتصر في حرب 2006، وصولا إلى أحداث 7 أيار والحرب السورية، ثم "إسناد غزة" فاغتياله عام 2024
حسن نصرالله: من النشأة إلى الاغتيال
السيد حسن نصرالله (أرشيفية).
Smaller Bigger

وُلد السيّد حسن نصرالله في 31 آب / أغسطس 1960، وهو أكبر إخوته التسعة، في بيئة متواضعة وفقيرة، وتحديدا في حيّ الكرنتينا الشعبي في بيروت أو ضاحية "شرشابوك" الشمالية. كان والده عبد الكريم يعمل بقالا. منذ صغره، أبدى نصرالله اهتماما لافتا بقراءة النصوص الدينية الإسلامية. ومع اندلاع الحرب اللبنانية عام 1975، نزحت عائلته إلى بلدتها الأصلية البازورية في قضاء صور، حيث انضمّ الفتى وهو في الخامسة عشرة إلى صفوف حركة "أمل".

عام 1976، توجّه إلى النجف في العراق لمتابعة دراساته الدينية، وهناك التقى مرشده السيّد عباس الموسوي. لكن إقامته لم تدم طويلاً، إذ طُرد عام 1978 في إطار حملة النظام العراقي ضد الشيعة. عاد إلى لبنان، فالتحق بالمدرسة الدينية التي أسسها الموسوي في بعلبك، وتوثّقت علاقته بالعمل الديني والسياسي.

 

شكّل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 نقطة تحوّل كبرى في مساره. انشقّ مع مجموعة من رفاقه عن حركة "أمل" احتجاجا على قرار رئيسها نبيه بري الانضمام إلى "جبهة الإنقاذ الوطني"، وانخرط في تأسيس تنظيم أكثر راديكالية سرعان ما تطوّر ليصبح "حزب الله"، المدعوم مباشرة من الحرس الثوري الإيراني. كان واحدا من مجموعة صغيرة وضعت "الرسالة التأسيسية" التي رسمت الهويّة العقائدية للحزب. ثم تابع دراسته في مدينة قم الإيرانية بين 1987 و1989، متبنّيا في شكل كامل مبدأ "ولاية الفقيه".

 

عام 1992، اغتيل الأمين العام لـ"حزب الله" آنذاك السيّد عباس الموسوي بغارة إسرائيلية. لم يكن نصرالله قد تجاوز الثانية والثلاثين حين اختير خليفة له. من هنا بدأت مرحلة جديدة، قاد فيها الحزب على مدى ثلاثة عقود محوّلاً إياه إلى قوّة عسكرية وسياسية متغلغلة في الداخل اللبناني.

 

عام 1997، قضى نجله الأكبر هادي (18 عاما) في مواجهة مع القوّات الإسرائيلية، فتعامل مع الحادثة مقدّما نفسه شخصيّة لا تميّز بين تضحياتها وتضحيات الآخرين. وفي أيار / مايو 2000، انسحبت إسرائيل من جنوب لبنان بعد 22 عاما من الاحتلال، وهو حدث روّج له نصرالله على أنه "انتصار تاريخي" للحزب.

 

قيادة الدولة الموازية

أحداث عام 2005 مثّلت منعطفا آخر في مسيرة نصرالله. اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعه من انسحاب الجيش السوري أنهيا الوصاية السورية المباشرة، فوجد نفسه يقود الحزب في مشهد داخلي منقسم بشدّة. اختار تثبيت زعامته عبر خطاب المقاومة ومواجهة ما عدّه مشروعا أميركيا – إسرائيليا للهيمنة.

 

عام 2006، وقّع مع العماد ميشال عون تفاهم مار مخايل، مانحا الحزب غطاءً مسيحيا أساسيا في وجه قوى 14 آذار. بالنسبة إلى نصرالله، كان ذلك خطوة لتكريس شرعيّة الحزب في الداخل، أما عون فقد سوّق ورقة التفاهم في أوساطه على أنه مسعى لـ"لبننة الحزب"، الأمر الذي لم يتحقق، فيما رآها خصومه تعزيزا للدولة الموازية التي يملكها "حزب الله" بسلاحه وتنظيمه. 

 

جاءت "حرب تموز" 2006 لتؤكد هذه الصورة. عمليّة أسر الجنود الإسرائيليين أشعلت مواجهة واسعة، ردّ عليها نصرالله بخطاب "الوعد الصادق". غير أن دمار لبنان والضحايا الكثر أثاروا انقساما داخليا بين من اعتبره من أتباعه بطلاً ومن رآه سببا للخراب. اعترف نصرالله لاحقا بأن "القرار" كان خطأً لو عرف نتائجه لما أقدم عليه. 

 

السلاح في الداخل

بلغ استخدام الحزب للقوّة ذروته في أيار/مايو 2008، عندما قرّرت الحكومة تفكيك شبكة اتصالاته الخاصة تطبيقا للقرار الدولي 1701. ردّ نصرالله كان حاسما عبر إنزال مقاتليه إلى شوارع بيروت والجبل والسيطرة عليها بالقوّة. وصف نصرالله ذلك اليوم بـ"المجيد"، لكن خصومه عدّوه انقلابا عسكريا على الدولة. هكذا ترسّخت صورة الحزب، قوّة تفوق المؤسسات الرسمية وتفرض إرادتها على اللبنانيين.


الاغتيالات والمحكمة الدولية

منذ 2005، عاش لبنان موجة اغتيالات طالت شخصيات عديدة مثل الصحافي والنائب جبران تويني، والنواب بيار الجميل ووليد عيدو وأنطوان غانم، والرائد وسام عيد وغيرهم. وكانت محاولات اغتيالات بدأت بالنائب مروان حماده عام 2004 واستمرّت مع الوزيرة السابقة مي شدياق والوزير السابق الياس المرّ والنائب السابق بطرس حرب ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بالإضافة إلى موجة تفجيرات شهدتها بالتحديد المناطق المسيحية بعد اغتيال الحريري.

 

نصرالله رفض أي اتهام مباشر، وهاجم المحكمة الخاصة بلبنان التي أنشئت للتحقيق في اغتيال الحريري، خصوصا بعدما وجّهت أصابع الاتهام إلى عناصر من الحزب، ودانت سليم عياش غيابيا. هذه الإدانة بقيت وصمة تطبع صورة الحزب وزعيمه.

 

الانغماس الإقليمي والمأزق

عام 2011، اندلعت الثورة السورية وتحوّلت في ما بعد إلى حرب. اتخذ نصرالله قرار المشاركة المباشرة دفاعا عن النظام السوري. قدّم ذلك على أنه واجب ديني واستراتيجي، دفاعا عن "المقاومة" وعن "المراقد المقدسة". عمليا، تحوّل الحزب إلى ميليشيا إقليمية تقاتل خارج الحدود ضمن المشروع الإيراني. فتغيّرت صورته جذريا، من صورة أردا إظهارها دائما كمقاوم لإسرائيل، إلى قائد مليشيا منخرطة في صراعات إقليمية دامية.

 

خطابات نصرالله التي كانت تستقطب الآلاف عبر الشاشات عزّزت الكاريزما لديه، لكنه مع الوقت صار أسير هذه الصورة. فقد تراكمت الأزمات، من انهيار اقتصادي وعزلة سياسية، إلى عقوبات دولية واتهامات جنائية وتصنيفات عربيّة ودوليّة بالإرهاب. وقف نصرالله بوضوح في وجه مسار العدالة في لبنان وتحديدا في قضية انفجار مرفأ بيروت، وولّدت معارضته هذه تشنجات كبيرة في الداخل اللبناني وأنتجت "أحداث الطيونة" عام 2021. بدا أنّ "زعيم المقاومة" تحوّل إلى عنوان مأزق الدولة اللبنانية برمّتها.

 

مصير "المحور"

في 27 أيلول / سبتمبر 2024، اغتيل حسن نصرالله. بمفهومه الجهادي ومفهوم حزبه، كان ذلك خاتمة يتمناها، كما عبّر في مرّات عديدة، إذ عاش حياته حاملا الإيديولوجيا ومكرّسا مشروع "ولاية الفقيه"، وصولا إلى قيادته وحدة الساحات. ولكن بمقاييس أخرى، شكّل اغتياله ضربة قاصمة ونهاية كبرى لمشروع قدّم نفسه على أنه "مقاومة وممانعة"، فإذا به ينهار باغتيال أبرز شخصيات هذا المشروع، على غرار ما حصل مع قاسم سليماني عام 2020 وما تلاه من ردود إيرانية شكلية على الاغتيال. كان على نصرالله أن ينتبه أكثر إلى ردّة فعل إيران بعد مقتل سليماني...

 

سيرة نصرالله تمتد من نشأته في أحياء بيروت الفقيرة، إلى دراسته في النجف وقم، وقيادته "حزب الله" ثلاثة عقود، وتحويله إلى قوّة إقليمية متوغلة. لكنها أيضا سيرة مسار متناقض، من تقديم نفسه محرّرا عام 2000 إلى منتصر في حرب 2006، وصولا إلى أحداث 7 أيار والحرب السورية، ثم دخوله حرب "إسناد غزة" فاغتياله عام 2024. لم يحسن نصرالله تقدير قدرات إسرائيل الجديدة، واكتفى برسم صوَر الماضي التي كرّسته زعيما جدّيا للشيعة في لبنان. وباغتياله طُويت صفحة زعيم شارك في تأسيس مشروع إقليمي واسع، فانتهى معه المشروع نفسه ودخل مرحلة أفول واضحة.

 

 -        وُلد حسن نصرالله عام 1960 في أحد أحياء بيروت الفقيرة.

-        التحق بحركة أمل، قبل أن يسافر إلى النجف ثم إلى قم حيث تبنّى مبدأ ولاية الفقيه.

-        عام 1982 شارك في تأسيس حزب الله بدعم مباشر من الحرس الثوري الإيراني.

-        بعد اغتيال أمين عام الحزب عباس الموسوي عام 1992، تولى القيادة وهو في الثانية والثلاثين.

-        خلال ثلاثة عقود، حوّل نصرالله الحزب إلى قوة عسكرية وسياسية موازية للدولة، مدعومة بشبكة خدمات ومؤسسات.

-        في تشرين الأول 2023، فتح نصرالله جبهة الجنوب دعمًا لغزة، لكن التصعيد انتهى بمصيدة إسرائيلية.

-        في 27 أيلول 2024، استهدفته غارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت ، لتطوى صفحة زعيم قاد مشروعًا إقليميًا واسعًا انتهى باغتياله وأفول مشروعه."

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟