"النهار" من ريف القصير إلى تل كلخ: الحدود مضبوطة و"سوريا درع لبنان"

على الطريق الوعرة التي تربط قرى ريف القصير ببلدة تل كلخ، يسير الزمن ببطء بينما يتحرك الواقع الأمني بدقة. في زيارة ميدانية للجانب السوري من الحدود اللبنانية - السورية، بدت الصورة مغايرة تماماً للروايات المتداولة، فالحدود هنا ليست سائبة بل مراقبة، والمناطق المتشابكة جغرافياً، ليست بالضرورة متفلتة أمنياً.

مسلّحون في القصير السورية (لينا اسماعيل).

القرى السورية المحاذية للبقاع الشمالي تعيش في ظل تشابك حدودي طبيعي واجتماعي عمره عقود: بيوت لا يفصلها سوى بضعة أمتار عن الأراضي اللبنانية، وعائلات موزعة على ضفتي الحدود. ومع ذلك، لا تغيب ملامح الدولة السورية عن هذه القرى: دوريات منتظمة لعناصر الأمن العام السوري، بلباسهم الجديد، تؤكد حرصهم على حماية حدودهم. لا وجود لمراكز أمنية ضخمة، بل حواجز عند مداخل القرى، مهمتها منع التهريب وتسلل المواطنين نحو الداخل اللبناني، الذي لا يميزه عن الأراضي السورية سوى بعض التلال والوديان.

خلافاً للشائعات التي تُروّجها بعض وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي، لا حشود ولا وجود لجماعات مسلحة أجنبية. بل حضور أمني سوري منتظم يعكس سيطرة واضحة للسلطة القائمة.

انتشار أمني في القرى الحدودية مع لبنان (لينا اسماعيل).

الناس هنا يعرفون الواقع جيداً: التهريب قديم قدم الجبال. يتنفس بين الشقوق الحدودية، ويتكيف مع كل ظرف، لكنه لم يعد كما كان. المراقبة باتت مشددة، والطريق نحو التهريب محفوفة بالمخاطر أكثر من أي وقت مضى. من تهريب المازوت إلى الأغنام والمواد الغذائية وحتى البشر، لا شيء تغير سوى الكلفة والخطر.

ربما لا تمنع الإجراءات الأمنية كل عملية تهريب، لكن الحضور الأمني الفعلي يعكس نية واضحة لضبط الإيقاع، ولو بصعوبة. وبين الطمأنينة التي تمنحها الدوريات، والقلق المزمن من أن يتحول أي حدث صغير إلى أزمة، تبقى الحدود كما هي: شريط متوتر يعيش على حافة الاحتمالات… لكنه لا يسقط فيها.

مدير مديرية الأمن الداخلي السورية في تل كلخ محمد أكرم أبو الخير (النهار)

في لقاء لـ"النهار" مع مدير مديرية الأمن الداخلي السورية في تل كلخ محمد أكرم أبو الخير، يقول: "تقييمنا الواقع الأمني على الحدود السورية - اللبنانية يُعدّ جيداً لكون المنطقة لم تسجل خرقاً أمنياً يهدد الأمن وزعزعة الاستقرار فيها، وإن شاء الله أمورنا إلى الأحسن".

ويشير إلى "أن أبرز التحديات التي تواجهها سوريا في ضبط الحدود المشتركة مع لبنان هي مع الأهالي الذين يعتاشون من التهريب. وفي جلساتنا مع الأهالي تمكّنا من أن ننهض بالوعي الفكري عندهم، واستطعنا أن نتجاوز هذه التحديات بنسبة 70%. أمورنا جيدة معهم حاليا، ويمكن القول إننا تجاوزنا المرحلة الصعبة".

مسلّحون عند الحدود بين لبنان وسوريا (لينا اسماعيل).

ويصف التعامل مع تهريب المخدرات والمحروقات وغيرها بـ"الخط الأحمر"، مؤكداً أن "هذه التجاوزات تشكل خطراً على كلا البلدين ويتم التعامل معها بحزم".

وعن المخاوف اللبنانية من تحوّل بعض القرى السورية الحدودية إلى منصات تهديد مباشرة لأمن الداخل اللبناني، ينفي هذه الإشاعات قطعا، مؤكداً أن "سوريا درعكم في المنطقة".

ويتوجه إلى سكان المناطق الحدودية في لبنان وسوريا: "نطمئن جميع مكونات الشعب، نحنا دولة بسطنا الأمن والاستقرار في المنطقة، وهما من أولى أولوياتنا. وهناك تفاهم وتعاون مع جميع الأهالي في هذا الشأن، ونطمئن أهلنا في الجانب اللبناني إلى أن الدولة السورية درعكم في المنطقة، وإن شاء الله أمنكم من أمننا وأمننا من أمنكم. وقد استطعنا أن نكافح المجموعات التخريبية، وما من صحة لهذه الإشاعات الكاذبة، فلا تديروا أذنكم لمثلها".

الحدود بين لبنان وسوريا (لينا اسماعيل).

وعن عودة أهالي قرى العاصي اللبنانيين، يجيب بأن "موقف الحكومة السورية واضح وصريح، وهذا ظاهر من بداية التحرير، وهي تساعد وتشجع الأهالي على العودة، وتمدّ لهم يد العون". ويكشف "أن ثمة خططاً عند الحكومة للنهوض بالواقع المعيشي، وأن بعض المشاريع انطلق في مناطق حوض العاصي".

ويؤكد أن "هناك تنسيقا رفيع المستوى بين وزارتي الدفاع والداخلية في البلدين"، لافتاً إلى أن التعاون "أدى إلى إحباط محاولات تسلل مسلحين، وعمليات تهريب مخدرات. التنسيق الحدودي عالٍ جداً".

وينفي رداً على سؤال وجود أي فصائل مسلحة منفصلة عن الحكومة السورية، جماعات مسلحة أو أفرادا أجانب في المناطق الحدودية، مؤكداً أن "السلاح محصور ضمن وزارتي الدفاع والداخلية".

لدى الأهالي كان هناك إجماع على مطلب واحد: عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين ونسيان الأحقاد. هنا، على هذه الحدود، لا مكان للعداء. فالعائلات مختلطة، والمصالح متشابكة، والمصير مشترك. يريدون بناء دولتهم الجديدة وحياتهم الجديدة بعيداً من صراعات الماضي.