من ركوب الأمواج إلى الـ"Acro-Paragliding"... لماذا يُمنع بعض الرياضات في لبنان؟
أعاد حادث سقوط الشاب عمر سنجر، أثناء ممارسته رياضة الـAcro-Paragliding، فوق خليج جونية، النقاش إلى الواجهة حول واقع بعض الألعاب الرياضية في لبنان، ومدى قانونيتها وسلامة ممارستها. فقد أدّى الحادث المأسوي إلى إصدار وزارة الشباب والرياضة تعميماً عاجلاً يقضي بمنع هذه الرياضة بشكل نهائي، باعتبارها "نشاطاً غير مرخّص، ولا يخضع لأيّ إطار تنظيميّ رسميّ".
هذه الحادثة فتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات الرأي العام حول قائمة الرياضات الممنوعة أو غير المعتمدة في لبنان، وأسباب لجوء السلطات إلى الحظر بدل التنظيم.

Acro-Paragliding تحت المجهر
وفقاً لقرار وزيرة الشباب والرياضة، نورا بايراقداريان، الصادر في 22 آب/أغسطس 2025، مُنعت رياضة الـAcro-Paragliding (الطيران الشراعي الأكروباتيكي) بشكل كامل، سواء بالنسبة إلى الممارسين أم المشغّلين أم من يديرون منصّات الإقلاع.
والسبب أنّ الأنظمة اللبنانية تعترف فقط برياضتي الطيران الشراعي التقليدي (Parapente/Paragliding)، والمثلّث الطائر Delta Plane)، بينما يبقى الـ Acro-Paragliding خارج أي إطار قانوني، نظراً إلى ما يتضمّنه من حركات بهلوانية ومخاطر عالية.

رياضات أخرى تحت الحظر
لم تكن هذه الرياضة هي الوحيدة التي طالتها قرارات المنع. ففي نيسان/أبريل 2025، ألغت وزارة الشباب والرياضة تراخيص عدد من الألعاب الأخرى، أبرزها:
السكيت بورد (Skateboard): رغم شعبيتها بين الشباب، مُنعت بحجة غياب شروط السلامة، إذ غالباً ما تُمارس في أماكن عامة غير مهيّأة، مما يعرّض اللاعبين والمارة لإصابات خطرة.

ركوب الأمواج (Surfing): نشاطٌ محبّب على الشواطئ اللبنانية، لكن غياب مراكز تدريب رسمية ومدرّبين معتمدين وتجهيزات أمان دفع الوزارة إلى اعتباره غير مطابق للشروط القانونية.

الخماسي الحديث (Pentathlon Moderne): هي رياضة أولمبية تجمع ما بين الرماية والسباحة وركوب الخيل والمبارزة والجري. ورغم مكانتها دولياً، أوقفت الوزارة نشاطها محلياً لعدم توافر اتحاد متخصص وعدم وجود بيئة تدريبية مناسبة لهذه اللعبة المعقّدة.

يمكنك أيضاً قراءة: وزيرة الشباب والرياضة تلغي تراخيص اتحادات "السكيت بورد" و"الخماسي الحديث" و"ركوب الامواج"
غياب معايير السلامة وراء قرارات المنع
أكّد الإعلامي الرياضي، علي حداد، في حديث إلى "النهار"، أنّ قرارات الحظر التي تصدرها وزارة الشباب والرياضة تأتي في معظم الأحيان كردّ فعل مباشر على الحوادث المأسوية أو حالات الوفاة، التي تقع أثناء ممارسة بعض الرياضات، كما حصل في رياضة الـ Paragliding.
ويرى حداد أنّ المشكلة الأساس لا تكمن في الرياضات نفسها، بل في غياب معايير السلامة والإطار التنظيمي الواضح الذي يضمن ممارسة آمنة.

ولفت حداد إلى أنّ "هذه المعايير تبدأ من وجود مدرّبين معتمدين ذوي كفاءة، مروراً بتأمين تجهيزات مطابقة للمواصفات الدولية، وصولاً إلى اختيار المواقع المناسبة لممارسة كل رياضة وإخضاع اللاعبين لاختبارات لياقة ومهارة قبل السماح لهم بالمشاركة"، مؤكداً أنّ "لبنان يفتقد إلى هذه المنظومة المتكاملة، إذ تُمارَس بعض الرياضات بشكل فردي أو عشوائي، ومن دون أي جهة رسمية تراقب تطبيق شروط السلامة".
لذلك، تجد الوزارة نفسها أمام خيار المنع بدل الدخول في عملية تنظيم تحتاج إلى وقت وإمكانات وإرادة سياسية. لكنّ هذا الخيار، برأي حداد، لا يحلّ المشكلة من جذورها، بل قد يدفع الشباب إلى ممارسة هذه الأنشطة في الخفاء، مما يضاعف المخاطر ويجعلها أكثر خطورة.
نمر جبر: "الألعاب لم تُلغَ بل أُلغيت تراخيص الأندية"
من جهته، شدّد الزميل نمر جبر على أنّ ما جرى مع بعض الألعاب، مثل ركوب الأمواج والخماسي الحديث والسكيت بورد، "لا يعني إلغاء اللعبة بحد ذاتها، بل إلغاء تراخيص الأندية التي بموجبها حصلت الاتحادات على تراخيص".
وأوضح جبر أنّ "الاتحادات حصلت على تراخيصها في عهد الوزير السابق جورج كلاس بقرار "سياسي" من دون أي معايير أو شروط للسلامة العامة، وفق ما تبين لاحقاً بعد عملية الكشف والمسح التي أجرتها وزارة الشباب والرياضة"، لافتاً إلى أنّ الوزيرة الحالية الدكتورة نورا بيرقداريان، ومنذ تسلّمها منصبها، حرصت على تطبيق القانون وألغت هذه التراخيص بهدف "إعادة تنظيم الألعاب وتأمين جميع المتطلبات والمعايير الفنية والقانونية اللازمة لضمان سلامة اللاعبين".

أمّا في ما خصّ رياضة الـAcro-Paragliding، فأشار جبر إلى أنّ "المشكلة تعود إلى إدراجها سابقاً بشكل خاطئ ضمن قطاع الشباب بدلاً من قطاع الرياضة في الوزارة، في حين أنّها لعبة عالية الخطورة وكان يفترض أن تخضع لإشراف وتدقيق مختلفين". وكشف أنّ الوزيرة بيرقداريان "فتحت الملف وهي حريصة على توفير كل الشروط الفنية والقانونية للحفاظ على سلامة الرياضيين الذين يمارسون هذه اللعبة التي تحظى بإقبال كبير".
وذكّر جبر بأنّ "دور الوزارة ليس تنظيم هذه الرياضات بشكل يومي أو تأمين متطلباتها، بل مراقبة الأندية والاتحادات والتأكد من أنّها تستوفي الشروط الفنية والقانونية ومعايير السلامة العامة قبل منحها التراخيص".

ويبقى الجدل قائماً بين شغف الشباب بالرياضات الحديثة وقرارات الحظر الرسمية. وبينما تسعى الوزارة إلى حماية الأرواح، يؤكد الخبراء أنّ الحل الأمثل يكمن في تنظيم هذه الرياضات ووضع معايير سلامة واضحة، بما يتيح للشباب ممارسة هواياتهم في بيئة آمنة ومسؤولة.
نبض