كلام توم برّاك للصّحافيين في قصر بعبدا يثير ردود فعل: كرامة الصحافة ليست رخيصة

عبّرت رئاسة الجمهورية اللبنانية عن أسفها للكلام "الذي صدر عفواً عن منبرها من قبل أحد ضيوفها اليوم".
وإذ شدّدت على احترامها المطلق لكرامة الشخص الإنساني عامةً، جدّدت تقديرها الكامل لجميع الصحافيين والمندوبين الإعلاميين المعتمدين لديها خاصةً، ووجّهت إليهم "كل التحية على جهودهم وتعبهم لأداء واجبهم المهني والوطني".
كذلك، أسف وزير الإعلام بول مرقص، الموجود خارج لبنان، لما بلغه من تصريح صدر عن أحد الموفدين الأجانب تجاه مندوبي وسائل الإعلام في القصر الجمهوري.
وأكد استناداً إلى الاتصالات التي أجراها مع الدوائر المعنية في رئاسة الجمهورية، أن الإعلام اللبناني والزميلات والزملاء الإعلاميين يقومون برسالة نبيلة في نقل الخبر والحقيقة، رغم كل الصعوبات والتحديات، ضمن إطار من المهنية والالتزام.
وشدّد على أنّه يحرص على كرامة كل فرد منهم ومكانتهم على نحو مطلق ويعتزّ بهم.
واعتبرت نقابة محرري الصحافة اللبنانية، أنه "مرة جديدة يتعرّض فيها الإعلام اللبناني لمعاملة أقل ما يقال فيها إنها خارجة عن أصول اللياقة والديبلوماسية، والمؤسف أكثر أنها صدرت عن مبعوث دولة عظمى يقوم بدور ديبلوماسي على ما هو معروف".
وفي بيان، استغربت أن "يبادر السيد توم برّاك بوصف تصرّف رجال وسيدات الإعلام في القصر الجمهوري "بالحيواني"، وأكدت أن الأمر غير مقبول على الإطلاق، لا بل مستنكر جداً، ويدفع بنقابة المحررين إلى إصدار هذا البيان الموجّه إلى شخص السيد برّاك خاصة وإلى مسؤولي الديبلوماسية الأميركية عموماً، تدعو فيه إلى تصحيح ما بدر عنه من خلال إصدار بيان اعتذار علني من الجسم الإعلامي".
ورأت أن "عدم صدور مثل هذا البيان قد يدفع نقابة محرري الصحافة اللبنانية إلى الدعوة لمقاطعة زيارات واجتماعات الموفد الأميركي كخطوة أولى على طريق إفهام من يلزم أن كرامة الصحافة والصحافيين ليست رخيصة، ولا يمكن لأيّ موفد مهما علت درجته أن يتجاوزها".
وفي الإطار، كتب الوزير السابق زياد المكاري عبر منصة "إكس": "برسم المبعوث الأميركي توم براك: الصحافيات والصحافيون في لبنان إرث كبير من الاحتراف والاحترام والمهنية. كل ما عدا ذلك من كلام أو توصيف، مرفوض ومدان. لمن لا يعلم، نذكّر بأن الصحافة تأريخ للحظة وتوثيق للحدث ولسان المجتمع، وليست فوضى".
بدورها، اعتبرت نقابة المصورين الصحافيين أنّ "ما جرى اليوم في القصر الجمهوري من إهانة مباشرة لعدد من الصحافيين والمصورين اللبنانيين يُعدّ سابقة خطيرة ومرفوضة جملةً وتفصيلاً. إنّ الصحافة التي تقوم بتغطية نشاطات أي مسؤول إنما تمارس دورها المهني انطلاقاً من احترام الرأي العام وحقّه في المعرفة، وهذه الممارسات تُعدّ من صلب التقاليد الديموقراطية في كل دول العالم".
وقالت: "إنّ التطاول على الجسم الإعلامي ليس أمراً عابراً ولا يمكن تبريره تحت أي ذريعة، خصوصاً أنّه يحدث للمرّة الأولى بهذا الشكل الصادم، ما يشكّل مساساً بمكانة الصحافة اللبنانية ودورها الرقابي الحر.
نؤكّد أنّ الاعتذار العلني والفوري من الصحافيين والإعلاميين الذين جرى التعرّض لهم هو الحدّ الأدنى المطلوب، وأنّ أي محاولة للتقليل من خطورة ما حدث أو تمريره من دون محاسبة ستُواجَه برفض قاطع وتصعيد من كل الجسم الصحافي".
وأضافت: "الصحافة ليست عدواً لأحد، بل شريك في بناء الحقيقة والدفاع عن المصلحة العامة، وأي إهانة لها هي إهانة لحق اللبنانيين في المعرفة ولصورة الدولة نفسها"، مطالبة بـ"اعتذار رسمي وإجراءات واضحة تحمي كرامة الصحافيين وتمنع تكرار هذه الإهانة بأي شكل من الأشكال".
أما السفارة الإيرانية في لبنان، فقالت: "مُثيرة للشفقة تلك السياسات الأميركية الغارقة في التسلّط والعنجهية وازدراء الشعوب، كما هو حال القائمين عليها".
وأضافت: "بونٌ شاسع يفصل بين نهجهم ونهجنا، تجلّى بوضوح في مشهدين متناقضين: الدكتور علي لاريجاني الذي ظهر على المنابر والشاشات اللبنانية بمناقشات اتسمت باللباقة والكياسة، مجيباً بجرأة ورحابة صدر حتى على أكثر الأسئلة حِدّة؛ في مقابل الموفدين الأميركيين الذين ترى رجالهم يوجهون الإهانات والألفاظ النابية إلى الصحافيين، فيما تطلق نساؤهم تصريحات رخيصة تفتقر إلى الأدب، كاشفةً عن حقدٍ أعمى تجاه المناضلين الشرفاء في العالم".
كما قال رئيس لجنة الإعلام والاتصالات في البرلمان اللبناني النائب إبراهيم الموسوي تعليقاً على كلام المبعوث الأميركي: "لم نفاجأ أبداً بمنطق السفاهة والاستعلاء الأميركي الذي عبّر عنه موفد الوصاية الأميركية توم براك بحق الإعلاميين اللبنانيين في القصر الجمهوري في بعبدا والإهانة الفادحة التي وجهها إليهم، فهذا الموفد يجسد بأمانة مطلقة حقيقة الولايات المتحدة الأميركية وجوهر الفلسفة العدوانية المتوحشة التي تأسست عليها، وهي باختصار فلسفة الإبادة الجماعية وغياب أي منطق قيمي أخلاقي يمكن الاحتكام إليه أو التمثل به والامتثال له".
وأضاف: "إن دولة قامت بأسسها على المغالاة في تقديس المادة وعبادة رأس المال، وتأليه منطق القوة واعتباره معيار الحق لا يمكن لمبعوثيها إلا أن يقدموا أداءً مشابهاً لما رأيناه وسمعناه، ولكن المفاجأة الحقيقية والصدمة الكبرى كانت في أداء القيمين على الإعلام في القصر الذين لم يبادروا إلى طرد هذا المندوب حفظاً لما تبقى من احترام للمكان والمكانة والقيمة الإنسانية والكرامة الوطنية، كما لقيمة الإعلاميين والإعلام كمهنة ترسخ مفاهيم الحرية والديمقراطية".
وتابع: "إن من أولى واجبات السلطة اللبنانية بأركانها كافة ووزاراتها المعنية خصوصاً وزارتي الإعلام والخارجية أن تبادر فوراً إلى استدعاء السفيرة الأميركية وتوبيخها والاحتجاج على ما ألحقه ممثل بلادها بلبنان واللبنانيين من إهانة موصوفة، وأن على دعاة السيادة والحرية والاستقلال من قوى وأحزاب وشخصيات الذين طالما أتحفونا ببياناتهم ومواقفهم أن ينتفضوا لكرامة بلدهم ومواطنيهم وأن لا يبتلعوا ألسنتهم أمام سفاهات ممثلي الوصاية الأميركية".
وختم: "إننا إذ ندين بشدة منطق الغطرسة الأميركية وتعاليه على إعلاميينا، فإننا لا يمكن إلا أن نسجل أن مسلسل التفريط بالسيادة الوطنية وكرامة اللبنانيين يستمر ويستفحل على كل المستويات في ظل زمن الوصاية، والمطلوب الآن أن تستدرك هذه السلطة الموقف فورًا، وتبادر لاتخاذ الإجراءات المناسبة لحفظ ما تبقى من كرامة ووطن".