الموت لعدوّكم

يخبرنا المفكر اللبناني وضاح شرارة أن البدويّ "إذا لقي واحداً من عشيره وأهله حيّاه بالتحيّة التي توقع عليه السلام، أي الحياة الرخوة والطيّبة والخلو من الانتهاب والغزو والسبي والغضب، وبدره بتمنّي الموت لعدوّه، وهو كلّ من ليس من قبيله. فالتحيّة العربيّة، التي أخرج منها الإسلام شطرها الثاني، أي تمنّي الموت، وقصرها على استنزال السلام ورحمة الله وبركاته، جمعت في كلّ واحد وجميع سلام الأهل والقبيل والنسيب، وموت الغريب الأجنبيّ. فكأنّ الأوّل، أي السلام، لا يحصل ولا يستتبّ إلّا بالثاني، وكأنّ الثاني شرطُ الأوّل".
اليوم، تنقضي خمسة أعوام على وعد الخمسة أيام، ويبقى التحقيق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت عالقاً في أدراج مواقع القوة في لبنان. آخر الكلام أن القرار الاتهامي في هذه الجريمة آتٍ لا ريب فيه... لكن متى؟
مَن يعرف دهاليز لبنان وألاعيب الخفة التي يُتقنها سادته، يوقن أن الإحالة إلى المجلس العدلي تساوي مقبرة المنايا والأماني. فكم من جريمة تفجير واغتيال أحيلت إلى هذا المجلس، فظهر منها رأس جبل جليد لا يُقنع أحداً، ورتبت أمور ما تحت السطح في ليلٍ، وكأن شيئاً لم يكن؟
ما عرفنا من اغتال كمال جنبلاط، ولا المفتي الشيخ حسن خالد، ولا الشيخ صبحي الصالح، ولا غيرهم كثيرين، وربما لن نعرف حقيقة من اغتال بيروت من بوابة مرفئها، فيذهب انتظارنا المرهق سلحفاة العدالة أن تلحق بأرنب التلفيق والتسويف والاستخفاف بالعقول أدراج الرياح.
من راقب مسيرة طارق البيطار منذ أول أيامه محققاً عدلياً يعرف أن أرباب السياسة عندنا ألقوه في اليمّ وقالوا له إياك إياك أن تبتلّ بالماء.
الثقة فيه موجودة، لكن الثقة بنظام العدالة في لبنان معدومة، وكلنا إيمان بأننا لن ننال من القرار الاتهامي أكثر من "الموت لعدوكم"... على قاعدة اليد التي لا تستطيع كسرها، قبّلها وادعُ عليها بالكسر!