مع انتخاب المحامي أحمد الطفيلي رئيساً لمجلس بلدية بعلبك والصحافي عبد الرحيم شلحة نائباً للرئيس، في جلسة إنتخابية اليوم في سرايا بعلبك، برعاية المحافظ بشير خضر وحضور رئيسة دائرة البلديات هبة زعيتر ورئيس قسم المحافظة دريد الحلاني، يُفتَح باب مرحلة جديدة يرتقب أن تشكّل نقطة تحوّل في تاريخ العمل البلدي في المدينة، بعد سنوات من التوقف الإداري والركود التنموي الذي ترك آثاراً واضحة على حياة المواطنين وواقع الخدمات في مدينة الشمس.

هذا التحوّل المرتقب يأتي في ظل واقع متراكم من الأزمات، إذ تُعدّ بعلبك من أبرز المدن اللبنانية على المستوى التاريخي والثقافي، لكنها عانت طويلاً من غياب التخطيط وتعطّل المشاريع والفشل في تقديم أبسط الخدمات. فالبنية التحتية في حال سيئة، والسوق الشعبية بلا تنظيم، ومشاكل النفايات والإنارة والصرف الصحي لا تزال بلا حلول. من هنا، فإن الملفات الملقاة على عاتق المجلس الجديد كثيرة ومعقدة، وتحتاج إلى رؤية متكاملة ومقاربات جدّية.

الرئيس الجديد للبلدية أشار في تصريح لـ"النهار" الى "أننا نسعى إلى إشراك المواطن البعلبكي في جهود بناء الثقة وتجديد الروابط بينه وبين بلدية مدينته، واضاف : " من جهة أخرى، سنحرص على تحقيق الشفافية والحكم الرشيد، وسنقوم بالتواصل المستمر مع المواطنين لإطلاعهم على كل ما يعزز معارفهم ويهم حياتهم. يلعب هذا التوجه دوراً محورياً في إشراك المواطن وتفعيل دوره في خدمة مجتمعه. إضافة إلى ذلك، سنولي اهتماماً خاصاً لملفات أخرى مدرجة في البيان الانتخابي، أبرزها إصلاح البنية والهيكلية البلدية وتفعيلها، مما يساهم في تعزيز عصرنة الإدارة وتحفيزها على الانطلاق نحو آفاق جديدة".
في ضوء هذه التحديات، ما الذي يُفترض أن يقوم به المجلس البلدي الجديد؟ يلفت عضو المجلس البلدي الدكتور علي حسن الى الآتي:
"أولاً - إنهاء حالة الشلل الإداري، عبر تفعيل الهيكلية الإدارية وتنظيم العمل البلدي، بما يضمن المتابعة والمحاسبة والجدّية في تنفيذ المهمات اليومية، بدءاً بضبط الحضور وانتهاءً بتوزيع المهمات وتحديد المسؤوليات.
ثانياً - إطلاق ورشة تنموية شاملة تبدأ بالأولويات الحياتية اليومية للمواطنين، وتشمل إصلاح البنى التحتية، تأهيل الطرق، تنظيم حركة السير، معالجة أزمة النفايات، وإنشاء مساحات عامة صالحة وآمنة.
ثالثاً - تعزيز الشفافية والمحاسبة، وهو ما يستوجب إصدار تقارير دورية عن المشاريع والميزانيات، وإشراك المواطنين في الرقابة والمساءلة، لضمان عدم تكرار أخطاء الماضي".
 ويرى "أن المجلس البلدي الجديد مطالب بأن ينفتح على محيطه المحلي، إذ تشكل القوى المحلية والجمعيات والفاعليات رافعة حقيقية يمكنها أن تساهم في النهوض، خصوصاً في ظل ضعف إمكانات الدولة المركزية وعجزها عن تلبية الحاجات الإنمائية. فالتكامل بين البلدية وهذه الجهات يفتح الباب أمام مبادرات خلاّقة ومؤثرة، شرط أن تكون الشراكة فعلية، قائمة على ثقة وتنسيق دائمين".

فرز الأصوات. (لينا إسماعيل)

إلى جانب ذلك، لا يمكن تجاهل الحاجة إلى استقطاب تمويل خارجي، نظراً الى تقلص الموازنات البلدية بفعل الأزمة الاقتصادية. لذلك، على المجلس الجديد أن يباشر إعداد ملفات دقيقة لمشاريع تنموية قابلة للتمويل من الجهات المانحة، سواء كانت دولية أم محلية، وأن يتحلى بالمهنية والجدية في تقديم هذه المشاريع.
ومن بين الملفات التي لا تقل أهمية، إعادة الاعتبار الى دور بعلبك كمدينة سياحية. فبعلبك ليست حاضنة لآثار تاريخية فحسب، بل هي أيضاً مدينة قادرة على تحريك العجلة الاقتصادية من خلال السياحة الثقافية والمهرجانات. تأهيل محيط المعبد وتسهيل الاستثمارات الصغيرة في هذا القطاع، يمكن أن ينعكسا مباشرة على دخل الأهالي وفرص العمل.
غير أن التحدي الأكبر يظل في استعادة الثقة. المواطن البعلبكي تعب من الوعود والخطابات. ما ينتظره اليوم هو عمل فعلي، ومشاريع تنفَّذ، ونتائج تُلمس. الثقة لن تعود بالكلام، بل بالمحاسبة والشفافية، وبأن يرى الناس فرقاً حقيقياً على الأرض.
وفي سياق متصل، سجّل المجلس البلدي الجديد سابقة تمثلت بفوز إبراهيم أحمد عجم أحد وجهاء عشائر التركمان بعضويته، كونه أول تمثيل فعلي لمجنس داخل البلدية، ما يشكّل خطوة مفصلية في مسار دمج هذه الفئة في الحياة السياسية المحلية بعد عقود من التهميش.

هذا التطور، بحسب مراقبين، يعكس تحوّلاً تدريجياً في المزاج السياسي في بعلبك، باتجاه انفتاح أوسع على مكونات المجتمع كافة، بما في ذلك المجنسين، ما يميّز هذا الإنجاز أنّه لم يأتِ نتيجة تسوية أو مجاملة، بل عبر عملية انتخابية تنافسية، ما يضفي عليه طابعاً ديموقراطياً حقيقياً.
المجلس البلدي المنتخب في بعلبك، أمام فرصة حقيقية لكتابة صفحة جديدة من تاريخ المدينة، عنوانها: الكفاءة، المبادرة والعمل الجماعي. فإذا نجح في ذلك، فتكون بعلبك قد بدأت فعلًا بالخروج من نفق الجمود والفساد. أما إن تكررت التجارب السابقة، فستعود المدينة مع فشله إلى الدوامة ذاتها التي عانت منها طويلاً. والأمل أن يكون المقبل أفضل.