حين يكون الصحافي في اليابان وقلبه في لبنان
في مطلع ثمانينات القرن الماضي، وكنت في بداياتي الصحافية مندوباً برلمانياً لـ"النهار" في قصر منصور، المبنى الموقت لمجلس النواب الذي هجّرته الحرب الأهلية من ساحة النجمة الى محلة المتحف، لفتتني في اليوم الأول من انتدابي الى المجلس، قطرات مياه كانت تتساقط بتؤدة على طاولة عملاقة قيل لي أن التكتل النيابي المستقل الذي كان يترأسه رئيس مجلس النواب كامل الأسعد، كان يعقد اجتماعاته حولها، من أجل التشاور في التطورات في البلاد والاستحقاق الرئاسي المقبل عام 1982 وسبل تأمين الانتقال الدستوري السليم بعد انتهاء عهد الرئيس الياس سركيس.
لم أحمل في جعبتي في ذلك اليوم الى صحيفتي أي خبر سياسي مميز، في ظل الأجواء المنية المتوترة التي كانت تخيم على البلاد عموماً، وتجعل الوصول الى المبنى الموقت للمجلس محفوفاً بالمحاذير خصوصاً. غير أنني اعتبرت أنه لايمكن إغفال "النش" الذي تتعرض له قاعة كبيرة في مرفق رسمي بهذه الأهمية، فصغت خبراً صغيراً أشرت فيه الى ما ينهمر من سقف المجلس، معطوفاً على اجتماعات التكتل الرئاسية، وخلصت الى أن لا أحد فوق رأسه خيمة.
في اليوم التالي، قصدت قصر منصور لمواكبة النشاطات البرلمانية، لكن ما إن وصلت الى مدخله الذي يتولى حمايته حرس المجلس، حتى فوجئت بالمدير العام الجديد للإعلام الدكتور عماد عجمي في انتظاري، ليتجاوز الحرس ويرافقني بنفسه على عجل الى مكتبه، حيث ابلغني عن كشف محاولة اعتداء دبرت لي عطفاً على الخبر الذي نشرته "النهار"، والذي كشف لرئيس المجلس عن عملية فساد تورط فيها عدد من المستشارين القريبين منه.
هذه الواقعة استرجعتها ذاكرتي، عندما طالعتني نقابة المحررين ببيان تنعى فيه عماد عجمي الذي شاء القدر أن يتوفى في طوكيو، فيما كان يحلم بأن يضمه ثرى مسقطه أرنون عندما تؤذن الساعة. فعماد عجمي الذي كان في الأيام الأولى من عمله وهوالآتي من جامعة السوربون في باريس، خلفاً لسابقه الذي قضى بحادث سير مفجع، تجاوز في دفاعه عن صحافي كل المحاذير التي نتجت من موقفه المتشدد حيال حرية العمل الصحافي، ولم تهدأ نفسه إلا حين أطلع الرئيس الأسعد على ما جرى التخطيط له وخلفياته، وأصرّ على أن يستقبلني بما يضمن عدم التعرض لي لاحقاً، وهو ما حصل.
لن أسهب في تاريخه الطويل في عالم المهنة، مثلما أوردت نقابة المحررين، "محرراً، مراسلاً، كاتباً، مسؤولاً ومستشاراً إعلامياً لعدد من الدول والسفارات العربية والآسيوية"، عمل في مجلة "المصور الجديد" ووكالة الأنباء الكويتية الرسسمية (كونا) مديراً لمكتبها في بيروت ثم مديراً إقليمياً لها. كذلك عمل مراسلاً لجريدتي "اليوم" و"الأوريان لو جور". حائز على شهادة الدكتوراه في الاعلام من جامعة السوربون. وفي طوكيو حيث تزوج واستقر في الأعوام الأخيرة، نشط في الحقل الصحافي والاعلامي، واضطلع بأدوار بارزة على مستوى الانفتاح بين اليابان والعالم العربي، وانتخب رئيساً لجمعية المراسلين الأجانب فيه.
وفيما لفتت النقابة الى أنه بغيابه "تطوى صفحة صحافي من الرعيل المجاهد الذي نسج بعصاميته رداء نجاحه المهني"، قال نقيب المحررين جوزف القصيفي فيه: "كنا على تواصل دائم على رغم تباعد المسافات وفارق المواقيت، كان متابعاً دقيقاً لكل ما يحصل في وطنه الأم، وكان يقول لي: إن جسدي في طوكيو، أما قلبي ففي ربوع لبنان، وروحي لا تزال تهيم بين ربوعه".
نبض