قرّر كثرٌ من الذين هدفوا للمشاركة في ذكرى استشهاد كمال جنبلاط هذه السنة أن يطلعوا باكراً مع البزوغ، لأنهم أيقنوا أنّ المناسبة ستنثر في أجواء المكان ما هو إضافيّ عن التقليد السنويّ. في تعاريج الطرق نحو قصر المختارة في الذكرى الثامنة والأربعين للاستشهاد لا ضجر، لأن ثمّة من عجلوا في المسار متلهّفين لبلوغ الوجهة، أو لأن بعضاً منهم تحاشوا الزحمة المكتظّة بالوافدين ليَعبروا مع وليد جنبلاط ما تأكد أنه "جسرٌ سياسيّ" مع أضلع ذكرى ارتحال حانت في خضمّ مناسبة انتقالية. المناصرون والمتابعون جميعهم يعجّ بهم المكان بساحاته وأدراجه وباحاته وصالوناته المتأهلة بمن "وطئوا أهلاً". حضورٌ سياسيّ بلغ الذروة لساسة الحزب التقدمي الاشتراكي. رمزٌ حيوي جلوس سامي الجميّل وتيمور جنبلاط معاً و"الكيمياء ترافقهما". رسائل دولية في استذكار الشهيد.

نقّحت كلمة وليد جنبلاط مرحلة انتقالية بعد "اعتقال الحكم الجديد في سوريا بقيادة أحمد الشرع المسؤول عن جريمة اغتيال كمال جنبلاط المدعو إبراهيم حويجة". أعلن أيضاً "ختم هذا التقليد لكون عدالة التاريخ أخذت مجراها ولو بعد حين". وأكّد "تطلّع المختارة والتقدمي إلى مرحلة جديدة من النضال والتحدّي، كالتمثّل بالاشتراكية الأكثر إنسانية". وتحدّث الرئيس السابق للحزب التقدمي عن "ضرورة التمسّك بالهوية العربية للبنان، هوية شوّهتها أنظمة القمع والاستبداد والمخابرات". ولم يغفل جنبلاط "أهمية تحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الاسرائيلي ومتابعة ترسيم الحدود حفاظاً على القرارات الدولية وحفاظاً على السيادة، إضافة إلى إعادة إعمار الجنوب من خلال وضع آلية موثوقة عربيّاً ودوليّاً". وتوجّه جنبلاط إلى "بني معروف" ليحافظوا على هويتهم العربية وتاريخهم النضالي المشترك وتراثهم الإسلامي. وقال: "احذروا الاختراق الصهيوني، واستخدامكم كإسفين لتقسيم سوريا، وحافظوا على إرثكم الفكري والنضالي والسياسي".

وصرّح النائب مروان حماده لـ"النهار" في المناسبة بقوله إن "القتلة كلّهم، العدالة الإلهية سبقت عدالة الناس إليهم، ولكن مع كلّ كلمة لوليد جنبلاط اليوم هناك جزء من تاريخنا وتراثنا ومن تاريخ لبنان المصالحة، لا الحرب". أضاف حماده: "تبقى التحديات نفسها، وحدة لبنان ووحدة سوريا كي لا تتغلب مؤامرة توزيع البلاد على الأقليات وتقسيمها بتحالف مزيّف إلى صوملة المنطقة. صحيح أننا صبرنا وصمدنا وانتصرنا، لكن يجب حماية الانتصار وتطويره وإرساء السلام في المنطقة في ظلّ دول مدنية ديموقراطية تنتصر فيها الحريات كما ناضل من أجلها كمال جنبلاط".

في إجابة أمين السرّ العام ظافر ناصر عن أسئلة "النهار" يؤكد أن "النقطة المركزية في مقاربة التقدميّ الأمور والعلاقات بين اللبنانيين أنّ المنطلق والمثال هو المصالحة رغم الخلافات بين الأطراف السياسية في لبنان، لكن ليس هناك سوى روحية المصالحة سنة 2001 التي ترعى العلاقات حتى تكون مستقرّة. العناوين الأخرى المتعلقة بالإعمار وانسحاب إسرائيل من جنوبي لبنان ثابتة أكّد عليها وليد جنبلاط، ونحن بحاجة إلى مسار جديد على مستوى إدارة الدولة لتحقيقها".

وتحدّث القيادي خضر غضبان لـ"النهار" عن مستقبل المرحلة، فلخصه بنقطتين لجماهير التقدمي: "النقطة الأولى التمسك بإرث كمال جنبلاط وتطوير الأداء ومواكبة العصر على الثوابت التي وضعها في مبادئ التقدمي. والنقطة الثانية مواجهة الهدف الإسرائيلي الذي يسعى لأن يكون الدروز مطية مشاريعه التقسيمية للدول المحيطة تحت عنوان حلف الأقليات الذي واجهه كمال جنبلاط ويواجهه وليد جنبلاط. المطلوب من جيل الشباب قراءة التاريخ بتمعّن والبناء على الإرث النضالي".

وأثنى السياسي توفيق سلطان في كلمة لـ "النهار" على "مسيرة ونهج كمال جنبلاط المستمرّين، وسيأتي يوم نستطيع فيه تنفيذ البرنامج المرحليّ للحركة الوطنية من أجل تطوير الحياة السياسية. للأسف، لا نستطيع ضمن ظروف المنطقة ولبنان أن ننفذ بند إلغاء الطائفية السياسية، لكن من المهم اتخاذ خطوة متقدّمة في هذا الاتجاه لتغيير الخطاب. كمال جنبلاط مرتاح لأن حزبه يتطور وحاضر في الحياة السياسية لبنانياً ودولياً".