رسم التشييع الضخم للأمينين العامين السابقين لـ"حزب الله" ملامح مرحلة جديدة للحزب الذي تلقى أقسى الضربات خلال العدوان الإسرائيلي على لبنان. ففي مراسم وداع، حشد الحزب عشرات الألوف من أنصاره على الرغم من التحديات الجمّة التي سبقت ورافقت يوم الوداع.

من أربع جهات الوطن تدفق المشاركون إلى مدينة كميل شمعون الرياضية ومحيطها على امتداد كيلومترات عدة. 

قبل بدء المراسم الرسمية للتشييع بنحو 7 ساعات كانت الشوارع المحيطة بالمدينة الرياضية قد امتلأت بحشود المشيّعيين، فالمراسم التي بدأت الساعة الأولى ظهراً لم تمنع محبّي "السيد" من افتراش جنبات الطرق المؤدّية إلى المدينة الرياضية وصولاً إلى مكان الدفن.

منذ ساعات الصباح كانت الحشود تشق طريقها إلى مكان التشييع بصعوبة بالغة، فالوافدون من الجنوب والبقاع والشمال والجبل ومن بيروت كانوا بأعداد ضخمة، وعلى الرغم من تخصيص مسارات لهؤلاء بهدف ضمان انسيابية وصولهم إلى الطريق السريع الذي يربط العاصمة بمطار رفيق الحريري الدولي، فاقت أعدادهم المتوقع، وتدفقوا إلى الأماكن المخصصة لهم، ولكن كثراً منهم كانوا يأملون الوصول إلى النعش، وهذا ما لم يكن متوفراً تماماً.

وخلال مراسم التشييع خرقت أربع مقاتلات اسرائيلية الأجواء فوق المدينة الرياضية من دون أن تلقى سوى هتافات "الموت لإسرائيل"، و"لبيك يا نصرالله". وبعد نصف ساعة عادت الطائرات الحربية لتسجّل انتهاكاً جديداً للسيادة اللبنانية لتعود موجة الهتافات المنددة بتل أبيب.

 مراسم الوداع بدأت قرابة الواحدة ظهراً بالنشيدين الوطني والحزبي ومن ثم تلاوة آيات من القرآن قبل أن يطلّ الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم ليؤبّن أمينين عامّين سابقين، في سابقة لم يعهدها الحزب ولا أيّ تنظيم آخر.

وبعد الكلمة السياسية الوجدانية لقاسم، أمّ عضو شورى الحزب ورئيس الهيئة الشرعية الشيخ محمد يزبك الصلاة على الجثمانين لتنطلق الآلية التي حملت النعشين إلى المسار المحدّد لهما بدءاً من المدينة الرياضية وصولاً إلى مكان الدفن، علماً بأن الآلية التي نقلت نعش صفي الدين افترقت عن مسار التشييع لأن دفن صفي الدين سيكون الاثنين في بلدته دير قانون النهر (صور).
ما ميّز التشييع انتشار نحو 20 ألفاً من أعضاء لجان التنظيم على طول مسار الوداع، وكذلك وجود أكثر من 1400 مسعف وعيادات نقالة لتقديم الإسعافات للمشيّعين الذين تدافعوا للوصول إلى أقرب مسافة من الآليتين اللتين نقلتا النعشين. أما الوفود الإعلامية فكانت كثيفة مع مشاركة أكثر من 400 وسيلة إعلامية محلية وخارجية فضلاً عن نشر 120 كاميرا كانت تنقل مشاهد التشييع عبر شاشات ضخمة. أما الجيش اللبناني والقوى الأمنية فعملت على تأمين وصول المشيعين إلى المدينة الرياضية ومحيطها وسهرت على الأمن بمشاركة 4000 عنصر أمني من الأجهزة الأمنية كافة.

إلى ذلك توافدت الشخصيات الرسمية إلى المدينة الرياضية يتقدّمها رئيس مجلس النواب نبيه بري ممثلاً رئيس الجمهورية جوزف عون، ووزير العمل ممثلاً رئيس الحكومة نواف سلام، وشارك في المراسم حشد من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين إضافة إلى لفيف من رجال الدين من الطوائف كافة. أما المشاركون من خارج لبنان فكان بينهم وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ونواب ومسؤولون إيرانيون، وكذلك نواب عراقيون وشخصيات علمائية وحزبية من مختلف المحافظات العراقية، ومن اليمن حضرت قيادات في حركة "أنصار الله" إلى وفود من تونس وتركيا والجزائر وسلطنة عمان والبحرين ومن الكويت.

ما إن دخلت الآلية التي نقلت جثماني نصرالله وصفيّ الدين حتى ضجّت المدينة الرياضية والطرق المحيطة بها بصيحات الولاء والوفاء للسيدين، وعلى وقع هتاف "لبيك يا نصرالله" كان النعشان يشقان طريقهما ليطوفا في أرجاء ملعب المدينة الرياضية.

وبعد إتمام المراسم وانتهاء كلمة قاسم خرجت الآليتان لتشقا طريقهما في اتجاه طريق المطار.

ولمسافة قاربت الكيلومترات الثلاثة سارت الآليتان قبل أن تفترقا، وتبقى الآلية التي تنقل نعش نصرالله وحيدةً وخلفها حشود المشيّعين الذين أحاطوا مكان الدفن قبل مواراة "السيد" في الثرى.