جيل كامل مُهدّد بالانهيار... أطفال غزة قد يعانون التقزّم وضعف النمو الإدراكي بسبب سوء التغذية

العالم العربي 06-06-2025 | 06:14

جيل كامل مُهدّد بالانهيار... أطفال غزة قد يعانون التقزّم وضعف النمو الإدراكي بسبب سوء التغذية

الأرقام التي تخرج من المستشفيات والمراكز الطبية تكشف عن واقعٍ صادم: أطفال غزة يعانون من الهزال، والأنيميا الحادة، ونقص النمو، واحتمال التقزم، وغير ذلك من الأمراض المستعصية
جيل كامل مُهدّد بالانهيار... أطفال غزة قد يعانون التقزّم وضعف النمو الإدراكي بسبب سوء التغذية
أطفال يتدافعون للحصول على حصة من الطعام الساخن من مطبخ خيري في غزة(أ ف ب).
Smaller Bigger

 "الوضع كارثي" هي أقلّ ما يمكن أن يوصف به الوضع الغذائي في غزة؛ ففي المخيمات المكتظة بالنازحين، وبين الركام والرّماد، تتزايد مؤشرات سوء التغذية يومًا بعد يوم، مهدّدة جيلًا كاملًا بحرمانه من أبسط مقومات النمو والصحة.

 

مع استمرار الحصار وتصاعد العدوان، بات الحصول على أدنى كمية من الغذاء تحدّيًا يوميًا للأهالي، خصوصًا في ظلّ الانهيار شبه الكامل للمنظومة الصحيّة، والنقص الحادّ في الأغذية الأساسية، وفي مقدّمها حليب الأطفال والمكمّلات الغذائية، وسط عجز إنسانيّ فاضح، وصمت دولي مُفجع.

 

 

"لا نعرف كيف يمكن أن نوفر الغذاء"

يؤكّد الصحافي هشام زقوت لـ "النهار"، من خلال رصده لأوضاع النازحين اليومية، أن الوضع الغذائي العام في قطاع غزة بشكل كامل "كارثي جداً": "لا أحد يستطيع معرفة ماذا سيأكل غداً. جميع المواد الغذائية والتموينية نفدت. قوات الاحتلال طوال فترة الحرب كانت تسمح بإدخال مساعدات للمؤسسات الدولية فقط، وبالتالي كان اعتمادنا الأساسي في الغذاء على هذه المساعدات. والآن، مع نفاد هذه المساعدات من مخازن المؤسّسات الدولية، بتنا لا نعرف كيف يمكن أن نوفر الغذاء"، مضيفاً أنه حتى وإن توفرت بعض الخضراوات التي تزرع في غزة، فالأسعار تكون باهظة جداً وخياليّة.

 

وعن المطابخ المجتمعية، التي نشطت كثيراً خلال حرب الإبادة على غزة، وتعتبر استجابة للحاجة الماسّة إلى إطعام من يعانون من نقص الغذاء أثناء الحروب أو الأزمات الاقتصادية وما يصاحبها من مجاعات، ردّ زقوت بأن الناس باتت تعتمد بشكل أساسيّ عليها، إلا أن كثيراً منها أغلق، ولم يبقَ غير عدد قليل ما زال يعمل، وسيغلق أبوابه خلال أيام، بسبب نفاد جميع المواد التموينية لديها: "في غزة اليوم لا مخابز تعمل، ولا مساعدات متوافرة، ولا أيّ نوع من الغذاء، حتى ما يتعلق منه بالمياه؛ فالاعتماد كان على المساعدات لنشرب مياهاً صالحة للشرب، وهي غير متوفرة. والآن، نحن مضطرون إلى شرب مياه متأكّدون أنها ملوثة بفعل الحرب مع عدم توفر الوقود، ولكن لا بديل عنها".

 

طفلة من غزة تعاني من سوء التغذية (تصوير: الدطتور احمد الفرا)
طفلة من غزة تعاني من سوء التغذية (تصوير: الدطتور احمد الفرا)


 

أطفال يبدون أصغر من سنهم بسنوات

الأرقام التي تخرج من المستشفيات والمراكز الطبية تكشف عن واقعٍ صادم يعاني منه أطفال غزة. ثمة أطفال يعانون من الهزال، والأنيميا الحادة، ونقص النمو، واحتمال التقزم وغير ذلك من الأمراض المستعصية، والتي تسبّبت بحالة نفسيّة سيئة جداً. إنهم يعيشون ظروفاً كارثية لا توصف منذ نحو 600 يوم: "يعيش الأطفال قصفاً يطال خيامهم، وأماكن لعبهم البسيطة، وينامون على أصوات القصف ونسف المنازل، وإطلاق النار المتواصل. 600 يوم والأوضاع تزداد قسوة وعنفاً"، يُكمل زقوت، معبّراً عن حزنه حيال ما يرى من هول المشاهد: "الغذاء، وهو أبسط حقوق الأطفال، الآباء عاجزون عن توفيره؛ حليب الرضع هو الآخر غير متوفر. فكيف سيشعر الطفل وهو يرى والده يقف في طابور طويل منذ ساعات الفجر ليعود عند العصر من أجل توفير حفنة من الأرز أو العدس التي توفرها بعض المطابخ المجتمعية؟".

 

قال ريك بيبركورن، ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، يوم الثلاثاء 13 مايو، إن معدلات سوء التغذية في غزة ترتفع، وإن العلاجات لمواجهة هذه المشكلة الصحية تنفد، وحذّر من أن الجوع يمكن أن يؤثر بشكل دائم على جيل كامل، مضيفاً أن نصف مليون شخص في غزة يواجهون خطر الموت جوعاً، وأنه رأى أطفالاً في مراكز طبية يبدون أصغر من سنهم بسنوات. وزار أيضاً مستشفى في شمالي غزة تبيّن أن 11% من الأطفال الذين جرى فحصهم فيه يعانون من سوء التغذية الحادّ، وهو الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تدهور الأحوال الصحية والتقزّم وضعف النمو الإدراكيّ.

الأمم المتحدة بدورها نشرت تقريراً على موقعها الإلكتروني، ذكرت فيه أن خطر المجاعة في غزة يتزايد بسبب الحصار المستمرّ، وتعمّد منع تقديم المساعدات الإنسانية، بخاصة الأغذية، في واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، خصوصاً أن الأغذية والأدوية على بعد دقائق من الحدود.

التقرير فصّل الآثار السلبية لسوء التغذية على الأطفال، خصوصاً أولئك الذين هم في عمر النمو؛ فهو يضعف مناعة الأجسام، ويجعلها عرضة للأمراض التي بدورها تشتدّ آثارها عليهم بسبب سوء التغذية الحادّ، الأمر الذي يحوّل الأمراض الشائعة إلى حكم بالإعدام المحتمل، ولا سيما بالنسبة إلى الأطفال.

وقال البيان "وقد تستمر الآثار والأضرار الطويلة الأجل الناجمة عن سوء التغذية مدى الحياة، متّخذة صوراً عدّة مثل التقزّم وضعف النماء الإدراكي واعتلال الصحة. لذا، فإن جيلاً بأكمله معرّض للضرر الدائم ما لم يتوافر الطعام الكافي المغذّي، والمياه النظيفة، وإمكانية الحصول على الرعاية الصحية".

منذ نحو الأسبوعين، شهد مستشفى العودة الأهلي في شمالي قطاع غزة حالة صادمة بولادة الطفلة ملك أحمد القانوع "من دون دماغ".

رجّح المدير العام لوزارة الصحة في غزة، منير البرش، أن تكون هذه الحالة نتيجة لتعرض الأم لإشعاعات ناتجة من القصف الإسرائيلي.

 

في السابق، أطلقت منظمة هيومن رايتس ووتش تحذيرات من الخطر الداهم الذي يواجه النساء الحوامل في غزة، حيث ارتفع معدل الإجهاض التلقائي بنسبة 300% منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

 

 

طفل من غزة يعاني من سوء التغذية (تصوير: الدكتور أحمد الفرا)
طفل من غزة يعاني من سوء التغذية (تصوير: الدكتور أحمد الفرا)


 

الفرا: الوضع يؤدي إلى فشل النمو لدى جيل كامل من الأطفال

"بالنسبة إلى وضع الأطفال الصحي، عدم التعليق يمكن أن يكون الجواب الأفضل"، هكذا ردّ الدكتور أحمد الفرا، مدير قسم الأطفال في مستشفى ناصر الطبي، في حديثه لـ "النهار، مضيفاً: "نحن نتكلم على مليونين و300 ألف مواطن، منهم 600 ألف طفل دون العشر سنوات، وهم محصورون في منطقة جغرافية مغلقة أشبه بسجن كبير، حيث لا يمكنهم التواصل لا براً ولا بحراً ولا جواً مع العالم الخارجي؛ وقطاع غزة يعتمد بشكل كامل على المساعدات الخارجية، فلا هو منطقة زراعية ولا صناعية، وهناك فقط بعض الأراضي الزراعية التي دمّرها الاحتلال بعد دخوله إلى مدينة رفح. بالتالي، لم يدخل إلى قطاع غزة منذ 90 يوماً حبة قمح واحدة، والوضع الغذائي كارثي جداً، فلا طعام ولا شراب. المخابز أغلقت، الدقيق غير موجود، لا بضائع في الأسواق، المؤسسات الخيرية والمطابخ العالمية جميعها أغلقت أبوابها بسبب عدم توفر الغذاء. مثلاً، أنا كطبيب أملك المال لشراء الحاجيات الأساسية ولكن لا أجد شيئاً لشرائه".

 

يشرح الفرا أقسام سوء التغذية الموجودة في العالم، الأول هو نقص الوزن الشديد أو المارازماس، والنوع الثاني هو نقص البروتينات الشديد أو الكواشركور، وهناك النوع المختلط بين الاثنين، ويسمّى المارازميك كواشنكور. وبحسب الفرا، فإن جميع هذه الأقسام تنتشر في غزة، خصوصاً لدى الأطفال، إلى جانب نقص الفيتامينات والأعراض التي تترافق معه لدى الأطفال، الفئة الأكثر هشاشة بين الفئات الموجودة في غزة: "للأسف الشديد كنّا ندرس هذه الأمراض ونعتقد أننا لن نشاهدها في العالم الحديث".

 

سريرياً، يعاني الأطفال من الضعف الشديد وضمور العضلات واختفاء النسيج الشحمي، الاكتئاب، القصور في التفكير؛ الطفل يصبح شكله أشبه بالعجوز، بحسب الفرا، الذي يؤكّد أن وجودهم في المستشفى وعدمه واحد، فلا يوجد ما يقدّم لهم في ظل النقص الشديد في المواد الغذائية والمعدات الطبية البديلة. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى فشلٍ في النمو لدى جيل كامل من الأطفال، فتركيبة الدماغ تتكوّن في السنوات الثلاث الأولى، ممّا يؤدي إلى فشل في الإدراك والتعبير والتعلّم والقدرة على حلّ المشاكل والقيام بالأعمال والنشاطات اليومية، مبدياً استغرابه من استهداف أكثر من مليوني شخص بالجوع والعطش.

 

"معدلات سوء التغذية قد تخرج عن السيطرة"

وقال أكيهيرو سيتا، مدير دائرة الصحة في الأونروا، بحسب ما نقلت مديرة مكتب الإعلام بالأونروا في غزة، إيناس حمدان، لـ "النهار"، إن لدى الأونروا بيانات حتى نهاية نيسان/أبريل، تُظهر أن سوء التغذية في ازدياد”. وأضاف: “المقلق هو أنه إذا استمرت أزمة نقص الغذاء الحالية، فإن معدّلات سوء التغذية سترتفع بشكل كبير، وقد تخرج عن نطاق سيطرتنا”.

 

ووفقاً لتقرير التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي:

 470 ألف شخص في غزة سيواجهون جوعًا كارثيًا (المرحلة الخامسة والأشدّ من  التصنيف) خلال الفترة ما بين أيار وأيلول 2025.

 -هذا الرقم يمثّل زيادة بنسبة 250٪ عن التقديرات السابقة

-جميع سكان القطاع يعانون من انعدام حاد للأمن الغذائي

-من المتوقع أن يحتاج 71 ألف طفل، وأكثر من 17 ألف أم، إلى علاج فوري من سوء التغذية الحادّ.

 

تقسّم حمدان أقسام سوء التغذية لدى الأطفال تحديداً إلى: 

-الأطفال من عمر 0- 6 أشهر: إذا كانت الأمهات يعانين من مشكلات في الرضاعة، فالطفل يكون معرّضاً لسوء التغذية، ويحتاج إلى إمداد دائم بحليب الأطفال لتلبية احتياجاته الغذائية.

-الأطفال فوق الـ 6 أشهر: معرّضون أيضاً لسوء التغذية؛ ففي هذا العمر يجب إدخال الطعام للطفل. ومع الوضع الحالي وعدم توفر الأغذية اللازمة للنمو وبناء الجسم، يصاب الأطفال بسوء التغذية الذي يتطلّب علاجاً فورياً، وأحياناً إحالة على المستشفى لمنع تدهور حالتهم أو وفاتهم.

-في البرنامج الصحي، رصدنا العديد من الحالات لأمراض مثل الإسهال وسوء التغذية المتوسّط والحادّ.

 

في غزة، لا يموت الأطفال فقط تحت الركام، بل يموتون ببطء، خوفاً، ضعفاً، جوعًا، هزالًا، حتى أصبح جيل كامل يعيش مأساة تتجاوز كل الإحصاءات المذكورة في تقارير المنظمات الدولية. سوء التغذية في غزة لم يعد مجرّد أزمة صحية، بل صار شاهدًا حيًا على انهيار المعايير الإنسانية وفشل العالم في حماية الفئات الأكثر ضعفاً.

 

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا