ليليان شعيتو المرأة التي لم تُهزم: "وجعك هو جزء من رحلتك وليس نهايتها"

في 21 شباط 1994، فتحت ليليان شعيتو عينيها للمرة الأولى على هذه الحياة، وبدأ الحلم. وبعد 26 عاماً، أغلقت ليليان عينيها مكرهةً بعد تعرضها لإصابة بليغة في انفجار 4 آب. الجميع قالوا، همساً أو بصراحةً، إنها لن تنجو، وإنها بحاجة إلى أعجوبة لتُكتب لها الحياة من جديد... وفي اليوم الأول من عام 2021 شهدنا جميعاً على الأعجوبة، فاستيقظت ليليان من غيبوبتها بعد 18 يوماً، وأول ابتسامة لها بعد 5 أشهر على الانفجار.
هذه المرة، كانت عيناها تحملان حلمها المرسوم في كل شبرِ من جسدها المتألم، في صمتها الذي فضح هشاشة الوفاء، وفي أوجاعها التي كانت تبكي حرقتها وخسارتها ومعاركها مع الظلم والحياة والصبر. هي، التي اختارت أن تدرس المحاماة لتدافع عن وجع الآخرين وتنصفهم، لم تتوقع يوماً أن تصبح هي القضية، وأن يصبح ابنها "علوشي" كما تُحب أن تُناديه معركتها الجديدة في المستقبل. كانت تكره الظلم لتجد نفسها بين ليلة وضحاها... مظلومة!
عادت ليليان في شباط 2020 إلى لبنان بعد أن أمضت 6 أشهر في أبيدجيان - أفريقيا. كانت تُصارع الوقت خوفاً من إغلاق المطار، فتحرم الولادة في لبنان بين عائلتها. كانت حاملاً في شهرها الرابع عندما وطأت قدماها أرض لبنان. حملت "علي" في أحشائها، وحملت أحلامها معها بانتظار الأيام المقبلة. كانت تعيش يومياتها على وقع عبارة "الله ما بيكتبلي غير الخير إذا كان لي نصيب بشي باخدو"، قبل أن يُغير تاريخ 4 آب حياتها إلى الأبد.
كانت ليليان تحلم في أن تنجب 4 أطفال. كانت تقول "بحبّ يكون عندي عيلة كبيرة" وأن يكبروا في لبنان. "لا أريدهم أن يعيشوا في الغربة". لكنها وجدت نفسها فجأة في غربة موحشة، معلّقة بين الحياة والموت، ومحرومة من ابنها الوحيد.
5 سنوات مضت وليليان تحمل آلامها وتمشي جلجلتها بصمت وصبر وإيمان. لم تعد ليليان "الأميرة النائمة" كما لٌقبت بعد أيام من انفجار المرفأ، بل امرأة شجاعة تواجه كل صفعات القدر بالوقوف مجدداً بعد أن وُلدت من جديد. هي اليوم أشبه بطفل صغير يستكشف العالم لأول مرة، تقول أولى كلماتها، وتمشي خطواتها بهدوء وثبات.

ليليان شعيتو مع شقيقتها نوال في مركز العلاج في مصر.
لماذا الحديث عن ليليان في هذا اليوم بالتحديد؟
في اليوم العالمي للمرأة، تحمل ليليان رسالتها للمرأة، خصوصاً الموجوعة والمتألمة، فلديها الكثير لتقوله. لكن الطريق أمامها ما زالت طويلة لتصوغ عباراتها الطويلة. اليوم، نكتفي بكلماتها المقتضبة التي بدأت تنطقها، ولكننا نعرف تماماً أنه مع ليليان "لا شيء مستحيل".
بمساعدة شقيقتها نوال، نحاول أن نوجه رسالة من ليليان إلى كل امرأة. تقول لهن "أنتِ أقوى مما تتخيلين، وإن كل وجع اختبرته ما هو إلا جزء من رحلتك وليس نهايتك. مهما كانت الظروف صعبة وقاسية. تذكّري دائماً أن قوتك الداخلية وإيمانك بنفسك سيكونان المحفّزين الأساسيين لاستمرارك. تذكّري أنكِ لست بمفردك، وأنكِ بنضالك وصبرك تقاومين وتنجحين، وسيأتي اليوم الذي ستنظرين فيه إلى ما مررت به من بعيد وتكونين فخورة بانتصارك، ولا تنسي أبدأً: أنتِ تستحقين الأفضل".
قد تكون ليليان ردّدت كلّ هذه العبارات لنفسها قبل أن تقولها لللغير. الألم نحت معالمها الداخلية، وأحلامها عادت لتكبر معها بعد أن تجمّدت لسنوات. لقد اختبرت ليليان الوجع بكل تفاصيله ووجوهه، وصبرت على وجعها وعملياتها الجراحية التي تخطى عددها الـ10، من أجل تحقيق أمنيتها الوحيدة وهي أن تُشبع عينيها برؤية ابنها "علوشي" فتضمه إلى قلبها عمراً بعد الحرمان الطويل.
ليليان شعيتو برفقة والدها.
ليليان هذه الابنة والأم والصديقة كانت تكرّر دائماً أنها تريد أن تهتمّ بوالديها عندما يكبران، ولم تكن تتوقع للحظة أن تصبح هي من يحتاج إلى الرعاية والاهتمام. هي نعمتها التي تستمدّ منها القوة لتمضي في معركتها الصحية قبل أن تخوض معركتها الكبرى من أجل حضانة ابنها. وكما تقول لها شقيقتها نوال "هي غيمة سودا ورح تمرق، والجايي أحلى"، تغمض ليليان عينيها كلّ يوم، فتحلم بابنها وتبتسم.