فرنسا: حكومة لوكورنو الثّانية تجتاز قطوع حجب الثّقة بتنازلات للاشتراكيّين

نجح رئيس الحكومة الفرنسية سيبستيان لوكورنو في امتحان الثقة البرلمانية بحكومته الثانية التي شكلها قبل ثلاثة أيام، بعد عشرة أيام على استقالة حكومته الأولى التي لم تعمّر أكثر من بضع ساعات. فقد نجت الحكومة من تصويت على حجب الثقة طلبه حزب "فرنسا الأبية" اليساري المتطرف وزعيمه جان لوك ميلانشون، وهو ليس نائباً، وحزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف الذي تتزعمه مارين لوبن. وشنت كل من لوبن ونائبة "فرنسا الأبية" ماتيلد بانون خلال الجلسة الصباحية للجمعية الوطنية هجوماً لحجب الثقة عن الرئيس إيمانويل ماكرون ولوكورنو انتهى بالفشل، اذ أنقذت أصوات الحزب الاشتراكي وعدد من نواب حزب "الجمهوريين" حكومة لوكورنو. ونجت حكومة لوكورنو بعدد قليل من الأصوات، إذ إن حجب الثقة كان يحتاج إلى 18 صوتاً إضافياً فقط ليحوز أغلبية مطلقة بعدما صوت 271 نائباً لمصلحة حجب الثقة، رافضين حتى مناقشة الموازنة لعام 2026.
وأكد لوكورنو أن الموازنة ستتم مناقشتها وأن للبرلمان القدرة، بالتصويت، على أن يعدل النقاط التي لن يوافق عليها، معتبراً أن الذين تقدموا بحجب الثقة يرفضون الديموقراطية ورأي البرلمان، ويصوّتون بحجب الثقة من دون مناقشة بنود الموازنة.
وتتخبط فرنسا في أزمة سياسية منذ أن حل ماكرون البرلمان في حزيران/يونيو 2024، ما أفضى إلى إجراء انتخابات تشريعية أسفرت عن انقسام كبير في البرلمان الذي يضم 577 نائباً من دون أغلبية مطلقة لأي من الأحزاب. وتمكن لوكورنو، وهو رئيس الحكومة الثالث بعد حل ماكرون المجلس، من البقاء بفضل قراره تعليق قانون سن التقاعد الذي فرضه ماكرون بالبند 49.3 من الدستور ورفع بموجبه السن من 62 إلى 64 عاماً، بطلب من الحزب الاشتراكي مقابل تصويته لمصلحة الثقة بالحكومة. ويمثل تعليق هذا القانون، المرفوض من اليسار، حتى الانتخابات الفرنسية المقبلة، تنازلاً كبيراً من ماكرون الذي يصر عليه لأهميته لمالية البلاد التي تعاني عجزاً كبيراً في تمويل التقاعد.
وتهدف الموازنة التي قدمها لوكورنو إلى الجمعية الوطنية للنقاش إلى فرض ضرائب وتخفيض المصاريف بـ30 مليار يورو قابلة للنقاش من أجل تخفيض العجز إلى أقل من 5 في المئة للسنة المقبلة من 5.4 في المئة هذه السنة. وبرغم أسلوب لوكورنو المتواضع والمستعد للمناقشة مع أعضاء البرلمان وقدرته على تحمل مسؤولية وضع مالي فرنسي خطير، وسياسي منقسم، لا تعني نجاة حكومته من حجب الثقة أنه تمكن من الحصول على تأييد مستمر من الحزب الاشتراكي وحزب "الجمهوريين" الذي امتنع عن حجب الثقة بفضل لوران فوكييه الذي دعا حزبه إلى عدم حجب الثقة، وهو قطب مهم في الحزب، فيما منافسه رئيس الحزب وزير الداخلية السابق برونو روتايو دعا إلى حجب الثقة. لوكورنو سيواجه، إذاً، تقلبات وصعوبات ضخمة، خصوصاً أن لوبن تبذل جهداً كبيراً لحل البرلمان لأنها تعتقد أن حزبها قد يحوز الأكثرية في حال إجراء انتخابات تشريعية، ورئيسه الشاب جوردان بارديلا يطمح إلى رئاسة الحكومة في ظل منع لوبن من المشاركة في أي انتخابات بسبب حكم قضائي ضدها بتهم فساد.
ومنذ توليه رئاسة الحكومة ومقابلته التلفزيونية، حصل لوكورنو على المزيد من الشعبية، فنال في استطلاعات الرأي عشر نقاط إضافية لترتيبه بين الشخصيات السياسية الفرنسية. ولوكورنو شخصية سياسية تحظى باحترام كبير، خصوصاً لعمله عندما كان وزيراً للددفاع لمدة خمس سنوات، إذ نجح في زيادة تمويل الدفاع في وقت كانت فرنسا تنظر إلى تقليص المصاريف المختلفة لسد العجز المالي الخطير. لكن لوكورنو سيواجه غضب الشركات الكبرى والأثرياء والمتقاعدين بسبب المزيد من الضرائب التي سيفرضها عليهم من أجل خفض العجز. وسيتحمل عبء إقناع هؤلاء بضرورة فرض الضرائب، فيما ذلك سيتحول إلى سلاح بيد لوبن التي تنتقد زيادة الضرائب، ما قد يزيد شعبية حزبها قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.