بعد ليبيا... هل تكون قطر الجبهة القضائية التالية لساركوزي؟
تسأل صحيفة "لوموند" الفرنسية في تقرير لها عن المشاكل القضائية للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي: هل نأى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد بنفسه عن ساركوزي بسبب المشاكل القانونية التي يواجهها، وآخرها الحكم عليه بالسجن خمس سنوات يوم الخميس 25 أيلول/سبتمبر بتهمة "التآمر الجنائي"، في القضية الليبية؟.
وتنسب الصحيفة الى مصدر مقرب من السفارة القطرية أن "ساركوزي كان مقرباً بشكل خاص من الأمير الوالد الشيخ حمد (1995-2013]. أما الشيخ تميم فلا يملك حتى رقم هاتف ساركوزي؛ فقد قطع علاقاته ببعض الممارسات الزبائنية، ويعتقد أن ساركوزي اعتبر قطر مصدرًا كبيرًا للدخل لمصالحه الشخصية".
مع ذلك، تُعدّ العلاقات بين ساركوزي وقطر ذات أهمية بالغة للنظام القضائي الفرنسي. منذ فتح مكتب المدعي العام المالي الوطني تحقيقًا قضائيًا عام 2019، لا سيما في قضايا الفساد، في منح قطر استضافة كأس العالم لكرة القدم 2022، وهو أمرٌ مثير للجدل، في 2 ديسمبر/كانون الأول 2010، يسعى قضاة التحقيق إلى تحديد التعويضات التي كان من الممكن أن يكون حصل عليها ساركوزي، إلى جانب الفرص التجارية (التسليح، والبناء، والنقل، وغيرها) التي توقعها الإليزيه آنذاك لفرنسا، مقابل دعمه لملف الدوحة.
وفي وثائق المحكمة التي اطلعت عليها صحيفة "لوموند" يشير القضاة إلى أنه "بعد مغادرته السلطة، كانت أول رحلة مهنية لساركوزي، إلى قطر، حيث دُعي من 9 إلى 11 ديسمبر/كانون الأول 2012"، تلبية "لدعوة شخصية من أمير قطر لإلقاء كلمة في منتدى أهداف الدوحة (النسخة الأولى من هذا المنتدى الرياضي العالمي) الذي موّله بنك قطر الوطني (المملوك بنسبة 50% لجهاز قطر للاستثمار)".
وأشار القضاة إلى أنه خلال هذا الحدث، "أصرّ ساركوزي على أنه 'دعم خيار' قطر"، دون أن يُحدد كيف فعل ذلك..وكما أشارت المحكمة المالية في عام 2019، سافر ساركوزي إلى قطر ثلاث مرات بين أكتوبر/تشرين الأول 2012 ويونيو/حزيران 2013، واستُضيف على نفقة حكومة الدوحة - للتحدث مع مدير صندوق الثروة السيادية للإمارة "كجزء من مشروع لجمع التبرعات [بمئات الملايين من اليورو] لتغذية صندوق استثماري". وهو مشروع ألغي في النهاية بسبب المشاكل القانونية التي واجهها صديق ساركوزي، رجل الأعمال ستيفان كوربيه.
وبالنسبة للقضاة، كان منح قطر حق استضافة كأس العالم 2022 "مسألة دبلوماسية لفرنسا". واستنادًا إلى محتوى المذكرات التي أرسلها مستشارو ساركوزي إلى الرئيس الأسبق عام 2010، وخاصة تلك التي كتبتها مستشارته لشؤون الرياضة صوفي ديون، والتي كشف عنها موقع ميديابارت، يفترض القضاة أن تصويت ميشال بلاتيني، الرئيس الفرنسي آنذاك للاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، والذي دعم قطر، شكّل عنصرًا حاسمًا في استراتيجية رئيس الدولة السابق والإمارة.
ويبدو أن غداءً نظمه ساركوزي في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2010، في قصر الإليزيه، بحضور الشيخ تميم، ولي عهد قطر في حينه، وبلاتيني، كان "حاسمًا" في نظر القضاة، و"أدى بوضوح إلى تغيير في نوايا التصويت" بشأن تصويت التخصيص.
وعلى مدار ما يقارب خمسة عشر عامًا، تمكنت صحيفة "لوموند" من خلال تحقيقاتها، من رصد الصمت المُحيط بهذا الغداء، الذي نُظم قبل ستة أشهر من استحواذ صندوق قطر للاستثمارات الرياضية (QSI) على نادي باريس سان جيرمان (PSG)، وقبل عام من تعيين نجل بلاتيني مديراً تنفيذيًا في شركة "بوردا سبورت" لتصنيع المعدات الرياضية، وهي شركة تابعة لـ QSI، وقبل ثمانية عشر شهرًا من زيادة حصة قطر في مجموعة لاغاردير وإطلاق قناة بي إن سبورتس القطرية في فرنسا.
في حين أن ساركوزي نفى دائمًا أي دور له في هذه "الصفقة"، يُظهر ملف المحكمة أن الرئيس الأسبق تلقى، قبل الغداء في قصر الإليزيه، "رسائل مهمة" من صديقه سيباستيان بازان، الممثل الأوروبي آنذاك لصندوق كولوني كابيتال، مالك نادي باريس سان جيرمان. وفي حزيران/ يونيو 2011، اشترت شركة قطر للاستثمارات الرياضية نادي باريس سان جيرمان من كولوني مقابل مبلغ باهظ (76 مليون يورو). واستنادًا إلى رسائل بازان النصية، اقتنع القضاة بـ"تدخل قصر الإليزيه لدعم بيع" باريس سان جيرمان.
هل كان له تأثير على بلاتيني؟
أمام المحققين، صرّح بلاتيني بأنه "يعارض" بيع باريس سان جيرمان لشركة قطر للاستثمارات الرياضية، "والذي بدا مرتبطًا بنتائج تصويت 2 كانون الأول/ ديسمبر [2010]"، وفقًا للقضاة. ووفقًا لأسرارٍ مُستقاة من الأمير حمد، ادعى السيد بلاتيني أن السيد ساركوزي "طلب" من الملك شراء باريس سان جيرمان.
واستنادًا إلى مذكرات من مكتب ساركوزي وعدة جلسات استماع مُجرّمة، من الواضح أن القضاة غير مقتنعين بـ"أطروحة" السيد بلاتيني، التي تفيد بأنه كان قد حسم أمره تمامًا بالتصويت لقطر قبل حضوره مأدبة الغداء في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2010.
وكما أشارت صحيفة لوموند، لاحظ القضاة أن "تصريحات" السيد بلاتيني في وسائل الإعلام "تطورت" بمرور الوقت. وأوضحوا أن "حرجه أصبح واضحًا". يشيرون إلى أنه في مارس/آذار 2011، وفي مقابلة مع صحيفة "دون بالون" الإسبانية الأسبوعية، جدد اللاعب السابق تأكيده على "استقلاليته"، مؤكدًا أن السيد ساركوزي "لم يطلب منه" التصويت لقطر. ومع ذلك، أقر السيد بلاتيني بأن رئيس الدولة السابق "أبلغه خلال اجتماع أنه سيكون من الجيد لو فعل ذلك".
وأشار القضاة إلى أن بلاتيني - الذي تناول العشاء مع تميم آل ثاني في أكتوبر/تشرين الأول 2010 في سويسرا، ولا يخضع للملاحقة القضائية حتى هذه المرحلة - زعم خلال التحقيق أنه "لم يتلق أي تعويض مقابل تصويته"، ونفى "أن يكون ساركوزي والقادة القطريون قد أملوا عليه الأمر خلال الغداء، بعد أن اتخذ قراره بالفعل"، وزعم أنه "اكتشف وجود القادة القطريين لدى وصوله إلى قصر الإليزيه". مساعدة سرية لشركة لاغاردير.
وتقول الصحيفة الفرنسية إن العلاقات بين قطر وساركوزي تتجلى بوضوح في تحقيق قضائي آخر فتحته الجبهة الوطنية لحماية الأمن القومي وأدى إلى اتهام رجل الأعمال أرنو لاغاردير بـ"شراء الأصوات". وتشير وثائق المحكمة، التي اطلعت عليها الصحيفة، إلى أن ساركوزي عمل سراً عام 2018 لمساعدة صديقه الملياردير في تأمين تصويت قطر، أكبر مساهم في مجموعة لاغاردير، لصالح قرارات السيد لاغاردير في الاجتماع العام للمساهمين.
بعد أن جلس في ملعب بارك دي برانس لمشاهدة مباريات باريس سان جيرمان، زُعم أن ساركوزي اقترح، دون جدوى، على عائلة لاغاردير أن يُرشّحوا أحد أصدقائه: رئيس النادي القطري، ناصر الخليفي، المعروف باسم "ناك"، كعضوٍ في مجلس الإشراف على المجموعة. ووُجّهت إليه في فبراير/شباط تهمة "التواطؤ في شراء الأصوات".
وقال موظف سابق في "ناك" للمحققين عام 2023، في إطار تحقيقٍ قضائيٍّ آخر ضد رئيسه السابق: "عندما كنت أعمل لدى "ناك"، كنا نذهب مرتين أسبوعيًا على الأقل إلى فيلا مونتمورنسي، في الدائرة السادسة عشرة، إلى منزل كارلا بروني [زوجة ساركوزي]، حيث كنا ندخل من الباب الخلفي". دون توضيح سبب اتخاذ "ناك" الكثير من الاحتياطات خلال هذه الاجتماعات.
نبض