فقمة ألاسكا

عشية لقاء ترامب – بوتين الحميم، صوّب قناص أوكراني بندقيته "آليغايتور" المحلية الصنع، وحبس أنفاسه، ثم ضغط على الزناد فقتل جنديين روسيين بطلقة واحدة على محور بوكروفسك، عن بعد 4000 متر تقريباً، مسجّلاً رقماً قياسياً عالمياً في التهديف الناري. وقالت صحيفة "كييف بوست" إن ذلك كان ممكناً بفضل الذكاء الاصطناعي، وبمساعدة مسيّرة حلّقت على علو مرتفع، وأمّنت للقناص "بيرفيد" (أي الشبح) فرصة الخلاص من "اثنين ممن يغتصبون أراضينا".
لا يعرف أحدٌ على وجه الدقة عدد الذين سقطوا ضحايا النزاع الروسي – الأوكراني، فهذا العدد لم يكن حاضراً على بساطٍ سياسيٍّ مُدّ في أنكوراج بألاسكا، ليبحث عليه ترامب وبوتين وحيدين الطريقة المثلى لإخراج أوروبا من المعادلات الدولية، حرباً وسلماً وبين بين.
كذلك، لم تحضر الكراهية المخيمة على "شعبٍ واحد في بلدين"، ولا آمال الأوكرانيين في أن يكونوا أسياد بلادهم، ولا آمال الروسيات في أن يستعدن أزاوجهن وأولادهن وإخوتهن من جبهة – مقبرة لا تردّ ميتاً.
حضر في ألاسكا شغف رجلين بالنفوذ والسيطرة، وقسراً غابت أوروبا التي يسعى قادتها ليعرفوا إن اتفق القطبان على "قطبة خفية" لرتق جرح أوكرانيا على حسابهم.
في ذلك، تُشبّه أوروبا بفقمة تنام في الماء، وتغوص مسافات طويلة بحثاً عن القوت، حتى يظنّ أحدهم أن قادتها ما غاصوا عميقاً في مسألة الاعتراف المؤجل بدولة فلسطين كرمى لعيون الفلسطينيين، إنما ليكون هذا الاعتراف باباً من أبواب المساومة - المقايضة مع ترامب: فإن ناموا في مائه آمنين من جنون بوتين، تراجعوا؛ وإن لم، أزعجوه ديبلوماسياً وأحرجوه إسرائيلياً.
في تاريخ القمم بين الروسي والأميركي، كان الآخرون يقفون متفرجين قليلاً ومرتجفين كثيراً: افتراقهما يعني تأجيج الصراعات على كامل خريطة الأرض، واتفاقهما يعني تقاسمهما إدارة هذا العالم. وفي الحالين، هذا مؤجلٌ إلى ما بعد بعد ألاسكا!