ترامب هدية بوتين بميلاد توسّعه الثالث... وعرّاب ثلاثية "العودة والنصر والهزيمة"
يشرب ساكن الكرملين فلاديمير بوتين نخب نجاح رهاناته رفقة الأوليغارشية الروسية، احتفالاً بـ"عودة ونصر وهزيمة"؛ العودة لروسيا إلى منظومة العمل الدولي بعد عزلة طويلة وسنوات من العقوبات، وإن بشكل نسبي، والنصر على أوكرانيا وداعميها بعد إنهاء الحرب والاحتفاظ بمغانمها، والهزيمة الأوروبية التي فاقمت عجز القارة العجوز عجزاً.
نخب بوتين هو رجوع الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، صاحب الفضل الأكبر في العودة أولاً، والنصر ثانياً، والهزيمة ثالثاً، لكون العنوان الثلاثي تحقّق إثر المتغيّرات العميقة التي تشهدها السياسة الخارجية الأميركية، والتي يمكن تلخيصها بالتحوّل من السياسة الديموقراطية إلى السياسة "الترامبية"، المستوحاة من عقلية ترامب القائمة على الصفقات والتسويات.
قد تكون روسيا أكثر المتحمسين لعودة ترامب إلى المكتب البيضاوي على ساحة المجتمع الدولي، وتنظر إلى الولاية الرئاسية الأميركية بإيجابية ملموسة تمثّلت بالمشاركة في مفاوضات مباشرة في السعودية، قبل إتمام ترامب شهره الأول في البيت الأبيض، مستبقةً بذلك حلفاء الولايات المتحدة التقليديين، وعلى رأسهم أوروبا القلقة من ترامب وسياساته.
الديبلوماسي الروسي السابق فيتشسلاف موتوزوف يتحدّث عن "نقطة تحوّل تشهدها السياسة الدولية"، ويشيد بالنهج الذي يعتمده ترامب لجهة التقارب مع روسيا. وبرأيه، للمفاوضات الحاصلة بين روسيا والولايات المتحدة "أهمية كبيرة"، لكونهما قوّتين عالميتين، و"التعايش" بينهما، وإعادة العلاقات الثنائية مهمّ جداً للاستقرار العالمي، وفق ما يقول لـ"النهار".
حينما حاولت الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جو بايدن التعامل بشكل تقليدي مع روسيا كخصم أو عدو، وتحدّي بوتين، ارتفع منسوب التوتر إلى أقصاه في شرقي أوروبا، وانطلق سباق التسلّح، وانفجرت الحرب في شباط 2022، وتزعزع الأمنان الأوروبي والروسي ومعهما الأمن العالمي، فيما المرتقب أن يُرسي نهج ترامب التسووي سياسة أكثر استقراراً وأقلّ توتراً.
ينطلق موتوزوف من هذا المبدأ ليشير إلى أن الإدارة الأميركية الجديدة "واعية" لنوعية العلاقات المطلوبة مع روسيا. وبتقديره، فإن بوتين وترامب "يمكنهما" إيجاد "لغة مشتركة" لإنهاء المشكلات العالقة وإرساء الاستقرار. ولا يرى الديبلوماسي الروسي "مشكلات غير قادرين على الاتفاق عليها"، مما يفتح الآفاق لعقد تسويات مرتبطة بشرقي أوروبا والشرق الأوسط والقارة الأفريقية.
القمّة المنتظرة بين ترامب وبوتين من المفترض أن تناقش سلسلة قضايا مشتركة، على رأسها الحرب الأوكرانية، إضافة إلى المسائل الأوروبية وتلك المرتبطة بالطاقة، إلى جانب مستقبل روسيا وآلية عودتها وعملها من داخل مؤسسات المجتمع الدولي والساحات التي تنشط بها وتتمتع بنفوذ فيها. وبحسب موتوزوف، فإن أوكرانيا "نقطة من النقاط" على جدول الأعمال، وليست هي الجدول كله.
لكن أوكرانيا قد تكون النقطة الأهم بالنسبة لروسيا وأوروبا الساعيتين إلى إنهاء الحرب، وإن بحسابات مختلفة ومتناقضة؛ فلموسكو شروط يعدّدها موتوزوف، وهي "الحياد الكامل والشامل لكييف، وعدم تحوّلها إلى خطر على الأمن الروسي القومي"، بالإضافة إلى اعتماد خطوط الجبهات الأمامية كحدود. لكن ثمّة أحاديث متقاطعة بين روسيا والولايات المتحدة بشأن تغيير القيادة الأوكرانية.
لا تعترف روسيا بالقيادة الأوكرانية الحالية، لكونها وصلت بعد انقلاب على القيادة السابقة ورئيسها فيكتور يانكوفيتش؛ وهي إن كانت تريد تغيير النظام فإنها تعي في الوقت نفسه صعوبة ذلك لكونه نظاماً مدعوماً من الغرب. لكن عودة ترامب أحيت هذه الرؤية، خصوصاً أن الرئيس الأميركي هاجم نظيره الأوكراني ووصفه بـ"الديكتاتور". ووفق ماتوزوف، فإن روسيا "تريد تغيير" النظام الأوكراني.
في المحصلة، وعشية الذكرى الثالثة لانطلاق الحرب الروسية – الأوكرانية، فإن حسابات حقل بوتين قد تتوافق مع حسابات بيدر ترامب، وقد يكون الرئيس الأميركي الجديد الهدية الكبرى لروسيا في الميلاد الثالث للسياسة التوسّعية الجديدة، بل قد يكون الظاهر هو رأس الهرم الجليديّ حتى الآن، وأنظار أوروبا تتّجه إلى أسفل قعر البحر، وإلى الشتاء البارد والطويل المقبل عليها.
نبض