قضية وفاة الطبيبة العراقية بان زياد... شائعات وتصريحات وصور زائفة تشوش على التحقيق FactCheck

النهار تتحقق 16-08-2025 | 11:55

قضية وفاة الطبيبة العراقية بان زياد... شائعات وتصريحات وصور زائفة تشوش على التحقيق FactCheck

انتحار أم جريمة قتل؟ في وقت يترقّب العراقيون إعلان نتائج التحقيق الرسمي في وفاة الطبيبة العراقية الشابة بان زياد طارق غداً الأحد، انتشرت تصريحات وصور وفيديوات أجّجت الشائعات بشأن هذه القضية، ودقّقت "النّهار" في صحّتها. 
قضية وفاة الطبيبة العراقية بان زياد... شائعات وتصريحات وصور زائفة تشوش على التحقيق FactCheck
من المنشورات الزائفة التي انتشرت بشأن الطبيبة بان (وسائل تواصل اجتماعي).
Smaller Bigger

شهد الشارع العراقي في الأيام الأخيرة حالة من الصدمة والحزن بعد العثور على جثّة الطبيبة النفسية بان زياد طارق داخل منزلها، في واقعة وُصفت بالمأسوية والمؤلمة، خصوصاً أنَّ بان مختصّة بعلم النفس، وافتتحت عيادتها الخاصة أخيراً.

 

في بداية الكشف عن الحادثة، قالت عائلتها، تحديداً والدتها، في لقاء تلفزيوني، إنَّ الفقيدة أقدمت على الانتحار بسبب مشاكل نفسية مرّت بها، في حين أشارت مشاهدات أولية إلى وجود دلائل مبدئية قد تدعم فرضية القتل.

 

 

 

 

مشاهدات طبية أولية لجثّة الضحية

ففي صور وفيديوهات صادمة مسرّبة لجثّة الضحية، بدت عليها كدمات وإشارات غريبة، لتبعد بالتالي فرضية الانتحار وتقرّبها من فرضية القتل، الأمر الذي جعل القضية محط اهتمام واسع على المستويين الشعبي والإعلامي، ووسّع المطالبات بكشف الحقيقة وإبعاد القضية عن التدخّلات.

 

وأشار زميل الضحية بان، الطبيب خلدون إقبال، في منشور على منصّة فايسبوك، إلى نفسيتها وآمالها وتطلّعاتها. وقال إنَّ "بان سألتني، قبل أيام فقط من فاجعتنا، عن حلمها بالسفر إلى إيطاليا، لاستكشاف العالم الغربي، وسألتني عن تفاصيل الفيزا وخطواتها… بان كانت تحلم بمشروع نفسي كبير لمرضى البصرة، حلم كان قريب تحقيقه ويعرفه كل من كان قريباً منها".

 

لقطة لمنشور الطبيب خلدون إقبال (فايسبوك)
لقطة لمنشور الطبيب خلدون إقبال (فايسبوك)

 

وبينما تواصل الجهات المختصة جمع الأدلة وتحليل مسرح الحادث، انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي روايات متباينة ومعلومات غير مؤكّدة، بعضها يحمل طابعاً درامياً، وآخر يتهم جهات أو أشخاصاً من دون سند رسمي، الأمر الذي قد يربك مسار العدالة ويؤثر سلباً على نزاهة النتائج النهائية للتحقيق، الذي شكّلته وزارة الداخلية العراقية، والذي ستعلن نتائجه غداً الأحد، بحسب مصادر.

 

 

تهديد في مكالمة... ما حقيقته؟ 

واحدة من الشائعات، فيديو تضمّن مكالمة صوتية بين شخصين، الأول يهدد فيها الثاني إن لم يسكت، بينما يجيبه الثاني بأنَّه لن يسكت وسينشر فيديو يفضحهم. وتضمّن الفيديو في وسطه صورة شخص، وأخرى أعلاه تعود لشقيق الطبيبة بان، مع تعليق (من دون تدخّل): "القاتل اخوها ورئيس محافظة البصرة، وهم مجموعة كبيرة ولازم يتم القاء القبض عليهم بسرعة لانه سيستغلون الفرصة ويهربون".

 

@ss2tt2 قضية الدكتورة بان 💔 القات-ل اخوهة و رئيس محافظة البصرة وهم مجموعة كبير ولازم يتم القاء القبض عليهم ب اسرعة وقت لان راح يستغلون الفرصة ويطفرون لازم ب اقرب وقت ممكن إن شاءالله ما يضيع حق المغدورة دكتوره بان 💔 #دكتورة_بان #قضية_رأي_عام #اكسبلور #fyp ♬ الصوت الأصلي - الفرقة الذهبية ⭐⭐⭐

 

 

لقطة شاشة من الفيديو المتداول (تيك توك)
لقطة شاشة من الفيديو المتداول (تيك توك)

 

 

وقد تحقّقت "النّهار" من الادّعاء، واتّضح أنَّه غير صحيح. 


فبالبحث العكسي عن الفيديو، تبيّن أنَّ حسابات على منصة تيك توك تداولته في مايو/أيار الماضي، وهذا يثبت مبدئياً عدم صلته بقضية الطبيبة بان.

 

@alialmahdawiali @Dr. Ali Al-Almahdi @أبا محمد ♬ الصوت الأصلي - حسيني الهوى

 

 

لقطة من الفيديو الأصلي (تيك توك)
لقطة من الفيديو الأصلي (تيك توك)

 

 

وبحثاً عن صورة الشخص في الفيديو، تبيّن أنّها تعود لشخص يدعى علي الغريفي، الذي ينشر محتوى يتعلّق بالأديان والعقائد. وكتب ناشر الفيديو تعليقاً: "هذا الذي في الصورة علي الغريفي، من جماعة المدّعي عبد الله هاشم أبا الصادق، مدّعي المهدوية، يقوم بتهديد ابن خاله مهدي، لأنه كشف زيف دعوتهم".

 

 

لقطة لتعليق ناشر الفيديو (تيك توك)
لقطة لتعليق ناشر الفيديو (تيك توك)

 

وبالنسبة الى علاقة شقيق الضحية بان بالقضية والاتّهامات التي تلاحقه، لا توجد أي أدلّة أو نتائج قطعية بشأنه، في انتظار إعلان النتائج الرسمية. لكنّ محافظ البصرة اسعد العيداني قال في تصريح إنَّ التحقيقات الأولية تشير إلى أن الطبيبة بان انتحرت، ولا توجد دلائل حتّى الآن تثبت تورّط شقيقها، بانتظار نتائج الطب الشرعي.

 

 

 

من جهته، نشر النائب عن محافظة البصرة عدي عواد وثائق احتوت على معلومات أولية توصّل إليها فريق الأدلّة الجنائية، وتشمل تعطيل كاميرات المراقبة عمداً، وآثار خنق وكدمات وجروح عميقة في اليدين ومناطق حساسة، إلى جانب كتابة عبارة بدم الضحية على حائط الحمام، وتأخّر ذويها في الإبلاغ وتنظيفهم موقع الحادث قبل صدور إذن رسمي.

 

وثيقة تظهر معلومات سجلتها فرق الأدلّة الجنائية
وثيقة تظهر معلومات سجلتها فرق الأدلّة الجنائية

 

 

سقطة نائب

 في المقابل، نشر النائب عن محافظة البصرة مصطفى سند فيديو جزم فيه أنَّ الطبيبة بان انتحرت، من دون أن يعرض دليلاً على ذلك، وعلى الرغم من أنَّه وصف نفسه بأنَّه "غير متخصص". ثم اتبعه بفيديو آخر قال فيه إنَّ أفراد عائلة الضحية اتصلوا به وهم سعداء بالتصريح الذي أدلى به ورفع عنهم الهم، ودعوه لزيارتهم في المنزل، وبالفعل زارهم، الامر الذي أثار غضب العديد من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفي ردوده على تعليقات المتابعين، نشر سند صورة في التعليقات- احتفظت بها "النهار"- تظهر مشرطاً طبياً قال عنه: "هذا المشرط الخاص بالتشريح، ويعتبر أقوى أداة حادّة طبية يستخدم لفتح الجثث ويفتح 6 طبقات بضربة، تم ضبطه معها وتم تثبيته بالمحضر. ويوجد إثبات من جابته من العمل. الصورة حقيقية بعد تنظیفه ووضعه مع خلفية بيضاء لغرض الأرشفة".

 

لقطة شاشة لتعليق النائب مصطفى سند (فايسبوك)
لقطة شاشة لتعليق النائب مصطفى سند (فايسبوك)

 

الا ان كلام سند خاطئ.


فالبحث العكسي عن الصورة بيّن أنَّها منشورة في أسواق إلكترونية، مثل موقعي "علي اكسبريس" و"أمازون"، وليست صورة حقيقية لمشرط تم ضبطه مع الضحية بان.

 

صورة المشرط منشورة في متجر
صورة المشرط منشورة في متجر

 

صورة المشرط منشورة في متجر
صورة المشرط منشورة في متجر

 

وبعدما كتب النائب سند التعليق وأثار به غضب المستخدمين، عمد الى حذفه، ثم نشر توضيحاً في قناته على تيليغرام جاء فيه: "خطأ غير مقصود بنشر صورة المشرط الطبية. هو المشرط ذاته الذي استخدم بالانتحار. لكن الصورة ليست نفسها. صار سوء فهم بالنقل، لكنه المشرط ذاته، وربما يتم عرضه بالمؤتمر الصحافي الأحد"، على الرغم من أنَّه جزم في تعليقه أنَّه مشرط حقيقي وتم تنظيفه لغرض الأرشفة.

 

 

لقطة لمنشور النائب مصطفى سند (تيليغرام)
لقطة لمنشور النائب مصطفى سند (تيليغرام)

 

 

وبعد دقائق من تصريحاته تلك، تم تسريب صورة لرسالة كتبها سند في تطبيق المراسلة واتساب قال فيها: "حتى لو قتل. واحد قتل اخته، شنو دخلكم؟"، ما يعكس اضطراباً خطيراً في التصريحات وعدم وجود معلومات موكّدة عن القضية.

 

لقطة من رسالة النائب مصطفى سند (فايسبوك - واتساب)
لقطة من رسالة النائب مصطفى سند (فايسبوك - واتساب)

 

 

تصريحات متناقضة

وفي شائعة أخرى، ظهرت رحاب العبودة، النائبة السابقة عن محافظة البصرة، والتي تعرف بخلافاتها السابقة مع محافظ البصرة أسعد العيداني، في مقابلة متلفزة قالت فيها إنَّ الطبيبة بان كانت رئيسة لجنة بت الصحة النفسية للمتّهم ضرغام (شقيق زوجة العيداني)، قاتل الدكتورة سارة في حادثة سابقة.

 

وأوضحت أنَّ الطبيبة بان بتّت أنّه كان بصحة نفسية سليمة. وحللت السيناريو بأنَّ الضحية بان قتلت بسبب هذا الأمر من أجل أن تتم تبرئة المتّهم ضرغام بدواعي أنَّ بان "تعاني مشاكل نفسية".

 

 

 

الا ان "النّهار" حصلت على تصريح صوتي خاص بالعبودة قالت فيه: "لم أعطِ معلومة أو أدلّة، بل سمعت هذا الموضوع واستندت اليه، واستنتجت. لا أستطيع أن اعتمد على المصدر لأنّه ليس وثيقة. إذا صح الأمر، فهذا هو السيناريو"، الامر الذي يشير إلى أنَّ المعلومة غير مؤكّدة، ولا سند لها.

 

كذلك، نفت دائرة صحّة البصرة، في بيان نقلته وسائل إعلام محلية، صحّة ادّعاء العبودة. وأكّدت أنَّه لم يتم تكليفها مطلقاً بإخضاع المتهم لأي فحص خاص بالسلامة العقلية أو النفسية.

 

بيان دائرة صحة البصرة
بيان دائرة صحة البصرة

 

من جهتهم، قال ذوو الطبيبة بان، في تصريح صحافي لوكالات محلية: "سنقاضي رحاب العبودة وكل من روّج معلومات زائفة". وأشار خال الضحية إلى ان "شقيق بان ما زال محتجزاً لدى قسم الجرائم للتحقيق معه، وأي معلومات عنه مجهولة".

 

"أريد الله" 

ادّعاء آخر تم تداوله في ضوء معلومات فريق الأدلّة الجنائية، التي نشرها النائب عدي عواد. وجاء في إحدى فقراتها أنَّه وجدت كتابة عبارة "أريد الله" على حائط الحمام بدم الضحية، بخط عريض، وسماكة 3 سنتيمترا لكل حرف، "الأمر الذي يتطلب كمية كبيرة من الدم لكتابة هذه العبارة".

 

وتم تداول صورة مكتوب فيها "أريد الله" بالدماء على باب زُعم أنَّه باب الحمّام الذي عثر على جثّة الضحية بان فيه. وأرفقت بنص (من دون تدخّل): "‏اريد الله... الكاتب مرتاح جدا، الخط واضح والخطوط متناسقة جدا. كيف يستطيع شخص في حالة رعب، قطع شرايينه، كتابة "اريد الله" بهذه الطريقة؟ حجم الحرف والخط والمسافة مع بصمة الكف".

 

 

لقطة شاشة للادّعاء المتداول (فايسبوك)
لقطة شاشة للادّعاء المتداول (فايسبوك)

 

وقد توصلنا أيضاً الى حقيقة هذه الصورة. فبالبحث العكسي تبيّن أنَّها نشرت للمرة الأولى في حساب على إنستغرام لشخص اسمه نور الحسن. وقد أرفقها بملاحظة قال فيه: "تنويه، الصورة مُصمّمة بالذكاء الاصطناعي، تجسيداً للواقع".

 

 

لقطة شاشة للصورة الأصلية (إنستغرام)
لقطة شاشة للصورة الأصلية (إنستغرام)

 

وحلّلنا الصورة بواسطة أداة hive moderation المتخصّصة بكشف الصور الزائفة، وجاءت نتيجته أنَّها مولّدة بنسبة 85.1% بواسطة الذكاء الاصطناعي. 

 

 

لقطة لنتيجة تحليل أداة hive moderation
لقطة لنتيجة تحليل أداة hive moderation

 

 

تخبّط وتعقيد... وبيانات رسمية

الخميس الماضي، تسرّبت الصورة الحقيقة لعبارة "أريد الله"، وظهرت بشكل واقعي في أسفل الجهة الأمامية من باب الحمّام. لكن هذا يتعارض مع ما ذكر في وثائق الأدلّة الجنائية، التي قالت إنَّ العبارة مكتوبة على حائط الحمّام، بالإضافة إلى أنَّ وجود العبارة على جهة الباب الأمامية، يثير الشكوك، إذ أنَّ الرواية المزعومة تقول بأنَّ الضحية انتحرت داخل الحمّام، فلماذا قد تكتب العبارة على الجهة الخارجية من الباب؟ وهذا يعبّر عن مدى التخبّط والاضطراب والتعقيد في قضية الضحية بان.

 

عبارة
عبارة

 

المعلومة الرقم 6 من تقرير الأدلّة الجنائية
المعلومة الرقم 6 من تقرير الأدلّة الجنائية

 

وفي مسار القضية، أشار الإعلامي حيدر الحمداني، أمس الجمعة، إلى معلومة غير مؤكّدة وصلته وتفيد بانَّ "محافظ البصرة أسعد العيداني يوفّر شقة سكنية لعائلة الدكتورة بان في تركيا بعد تنفيذهم عملية التصفية"، لكن لم يتمّ توثيقها أو التأكّد من مدى صحّتها.

 

 

ومساء الجمعة، أصدر مجلس القضاء الأعلى العراقي بياناً جاء فيه: "تم تدوين أقوال المدعين بالحق الشخصي. كذلك، دونت المحكمة عدداً من افادات الشهود، فضلاً عن توقيف أحد المتهمين، بينما تنتظر المحكمة تقرير الطب العدلي لمعرفة الأسباب الحقيقية للوفاة".

 

بيان مجلس القضاء الأعلى (فايسبوك)
بيان مجلس القضاء الأعلى (فايسبوك)

 

من جهتها، أصدرت لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي بياناً أكّدت فيه "ضرورة التعامل مع هذه الحادثة بكل شفافية وجدية، والكشف العاجل عن ملابساتها وأسبابها، سواء كانت نتيجة ظروف صحية، أو عوامل مهنية، أو ضغوط نفسية، أو أي أسباب أخرى، وذلك من خلال تحقيق مهني ونزيه تشارك فيه الجهات المختصة كافة".

 

وعقب الضغط الإعلامي، أعلنت قناة "العراقية الإخبارية" الرسمية نقلاً عن مصدر حكومي أنَّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أوعز في متابعة دقيقة للتحقيق في قضية الطبيبة بان زياد، وشدّد على ضرورة الإسراع بإعلان النتائج أمام الرأي العام، مؤكداً ضرورة إبعاد التحقيق عن أي محاولات للاستثمار السياسي.

 

 

خبر قناة العراقية الإخبارية (فايسبوك)
خبر قناة العراقية الإخبارية (فايسبوك)

 

ويتطلّع الشارع العراقي، الذي عبّر عن حزنه العميق لفقدان الطبيبة الشابة، إلى كشف ملابسات الحادث بشكل رسمي، ومعرفة ما إذا كانت وفاتها نتيجة قرار شخصي مأسوي أو جريمة مدبّرة.

 

وتبقى الحقيقة رهن ما ستكشفه التحقيقات النهائية، بينما تبقى دعوات الرحمة والذكر الطيب ترافق اسم بان زياد طارق، التي رحلت تاركة وراءها فراغاً كبيراً في قلوب محبيها وزملائها.

 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/21/2025 6:00:00 AM
الحرب انتهت، لكنها جولة ضمن الصراع الأكبر، وعدم إيجاد حلول للصراع سيعني عودة الحرب!
المشرق-العربي 10/20/2025 10:41:00 PM
 سرية تُعرف باسم "إمبراطورية مصاصي الدماء" قتلت الطفلة هند رجب 
المشرق-العربي 10/21/2025 12:47:00 PM
في خطوة من شأنها إعادة تشكيل القطاع المصرفي المتضرر في البلاد.
تحقيقات 10/21/2025 2:10:00 PM
ما هي أبرز التحديات التي تواجه عمليات البحث عن الجثث والمفقودين في غزة؟