في سياق المنشورات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي منذ سنوات، والتي تزعم أنّ المصريين القدماء صنعوا قبل آلاف السنين أدوات مستخدمة في عصرنا الحاليّ، تداول مستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي صورة زعم ناشروها أنّها لمراحيض في مصر القديمة تشبه تلك المستخدمة اليوم. إلا أن الصورة في الحقيقة مولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي. أما المراحيض في مصر القديمة، فقد كان تصميمها أبسط، بحسب الخبراء.
يتضمّن المنشور صورة لمرحاضٍ حجريّ نحتت عليه كتابات تشبه الهيروغليفيّة. وجاء في التعليقات المرفقة أنّه يعود لزمن المصريين القدماء وهو دليلٌ على "التطوّر في زمن الفراعنة قبل اختراع الأدوات المستخدمة في يومنا".

يأتي انتشار هذه الصورة بشكل واسع على صفحات مصريّة على غرار عشرات المنشورات المتداولة خلال السنوات الماضية والمحمّلة بمبالغات وأخبار خياليّة عن الحضارة المصريّة القديمة وأمجادها.
صحيح أنّ الحضارة المصريّة القديمة شهدت تطوّراً علمياً كبيراً ما زالت آثار البناء والتخطيط العمراني إضافة إلى النقوش شاهدة عليه إلى اليوم، لكنّ مروّجي الأخبار المضلّلة لا يكتفون بعرض هذه الحقائق، بل يلفقون أخباراً غير حقيقيّة عن التاريخ القديم.
فما حقيقة الصورة؟
أظهر البحث عن الصورة أنّها منشورة ضمن مجموعة على فايسبوك معنيّة بمشاركة الصور المولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي.
ونُشرت الصورة إلى جانب صورٍ أخرى تظهر أدوات حديثة مثل الهواتف الذكيّة والحواسيب مدمجة بتماثيل فرعونيّة.

وقد أوضح مصمّم الصور في التعليقات أنّه استخدم منصّة Krea لإنتاج صوره باستخدام الذكاء الاصطناعي وتحديداً نموذج Flux، وشارك في صور من المنصّة تظهر الآليّة المعتمدة في التصميم.
فهل تتطابق هذه الصورة مع أشكال المراحيض في مصر القديمة؟
يقول عالم المصريات ومدير مُتحف الآثار في مكتبة الإسكندرية حسين عبد البصير إنّ الصورة المنتشرة "لا تعبّر عن شكل الحمّامات الحقيقية في مصر القديمة ولا تشبهها".
ويوضح في اتّصال بوكالة "فرانس برس" أنّه تم العثور بالفعل على مقاعد مراحيض في بعض المواقع الأثرية، مثل مدينة تل العمارنة ودير المدينة "مصنوعة من الحجر الجيري أو الخشب، مع فتحات تؤدي إلى حفر أو أوانٍ لجمع الفضلات ومن ثم إعادة استخدامها كسماد".

صورة ملتقطة من الشاشة بتاريخ 6 كانون الأول/ديسمبر 2024 عن موقع wikimedia
"مقاعد بدائيّة"
ويؤكّد حسين عبد البصير أنّ هذه المقاعد كانت بدائية مقارنة بتلك الحديثة، وبحسب النقوش "كانت تُستخدم من الطبقة العليا وفي المنازل الفاخرة، بينما كان عامة الناس يعتمدون على مواقع خارجية أو حفر في الأرض".
ويلفت إلى أنّ هذه الأنظمة لم تكن معقّدة بخلاف أنظمة الصرف الصحّي التي ظهرت في الحضارات اللاحقة، عند الرومان على سبيل المثال.
ويشرح حسين عبد البصير لفرانس برس أنّ النظافة الشخصية كانت عنصراً أساسيًا في الحياة المصرية القديمة، ليس لأسباب صحية فحسب، إنما أيضا دينية، إذ كان المصريون القدماء يحرصون على التطهر بالماء قبل أداء الطقوس الدينية. كذلك، كانوا يستخدمون الأحواض المصنوعة من الحجر الجيري أو الفخار لغسل أجسادهم.
خدمة تقصي صحة الأخبار باللغة العربية، وكالة "فرانس برس"
نبض