أوبك تحافظ على نظرتها المستقرة إلى سوق النفط رغم التحديات العالمية
أصدرت منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" تقريرها الشهري لشهر تشرين الأول/أكتوبر 2025، مؤكدةً استمرار نظرتها المستقرة تجاه سوق النفط العالمية. وأشارت التقديرات إلى أن الطلب العالمي على النفط سيستمر في النمو بمعدلات ثابتة خلال عامي 2025 و2026، وهو ما يعكس ثقة "أوبك" بأساسيات السوق الاقتصادية، رغم التحديات الخارجية.
ويأتي ذلك في وقت تشهد فيه الأسواق توترات تجارية متصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، ما أثار مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي وتأثيره المحتمل على استهلاك النفط. ومع ذلك، ترى "أوبك" أن العوامل الداعمة للنمو قوية بما يكفي للحفاظ على استقرار الطلب، وتشمل هذه العوامل النشاط الاقتصادي المتنامي في دول آسيا، والتعافي المستمر في قطاع الطيران، وارتفاع الطلب على المنتجات البتروكيماوية مثل غاز البترول المسال والنفثا. كما يعكس هذا التقرير قدرة السوق على امتصاص الصدمات الاقتصادية والسياسية، ويبرز دور "أوبك" الحيوي في ضبط الإمدادات واستعادة التوازن في السوق، ما يمنح المستثمرين ثقة نسبيّة بمستقبل النفط العالمي.
"الطاقة الدولية" ترفع توقعاتها لمعروض النفط العالمي
توقعت "أوبك" أن ينمو المعروض العالمي من النفط بوتيرة أسرع من التقديرات السابقة خلال عام 2025، مع توقعات بتوسع الفائض بحلول عام 2026. ومن المتوقع أيضاً أن ينمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.3 مليون برميل يومياً في عام 2025، ليصل إلى متوسط 105.1 ملايين برميل. وفي عام 2026، يُتوقع أن يرتفع الطلب بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً، ليصل إلى 106.5 ملايين برميل، ويُعزى هذا النمو بشكل رئيسي إلى النشاط الاقتصادي القوي في الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، وعلى رأسها الصين والهند ودول أخرى في آسيا.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية، من جهتها، الثلاثاء أن ينمو المعروض العالمي من النفط بوتيرة أسرع من التقديرات السابقة هذا العام، وأن يتسع الفائض بحلول عام 2026، مع استمرار زيادة إنتاج أعضاء تحالف "أوبك+" ومنتجين آخرين في الوقت الذي يشهد فيه الطلب العالمي بعض التباطؤ. وأشار تقرير الوكالة الشهري إلى أن المعروض العالمي من النفط سيرتفع بمقدار 3 ملايين برميل يومياً في عام 2025 مقارنة بتقديرات سابقة عند 2.7 مليون برميل، فيما يُتوقع أن يرتفع المعروض بمقدار 2.4 مليون برميل يومياً في عام 2026.
أبرز محركات نمو الطلب على النفط في 2025..
وهناك ثلاثة عوامل رئيسية تشكل العمود الفقري لنمو الاستهلاك.
أول هذه العوامل.. هو النشاط الاقتصادي القوي في دول آسيا، باستثناء الصين، حيث تسجل هذه الدول معدلات نمو مرتفعة تعكس توسع الصناعات والخدمات، وزيادة الطلب على الطاقة بشكل عام. هذا النشاط الاقتصادي يسهم بشكل مباشر في رفع استهلاك النفط، سواء في قطاع النقل أم الصناعات الثقيلة، ما يجعل آسيا لاعباً رئيسياً في تشكيل مسار الطلب العالمي.
العامل الثاني.. هو التعافي المستمر في حركة الطيران العالمية بعد سنوات من التحديات التي شهدها القطاع، بما في ذلك آثار جائحة كورونا وتباطؤ النمو الاقتصادي في بعض المناطق. ومع استئناف الرحلات الدولية وزيادة أعداد المسافرين، يزداد الطلب على وقود الطائرات/الكيروسين بشكل ملحوظ، ما يدعم نمو استهلاك النفط في الأسواق العالمية، ويعزز إيرادات شركات الطيران ويحفز الإنتاج النفطي لتلبية هذا الطلب المتزايد.
أما العامل الثالث.. فهو احتياجات قطاع البتروكيماويات، الذي يشهد توسعاً مستمراً نتيجة زيادة الطلب على أحد المواد الأساسية مثل غاز البترول المسال لاعتبارات متعددة من أبرزها تصنيع البلاستيك والأسمدة والكيماويات الصناعية، وهي عناصر حيوية للاقتصادات الحديثة. ومع نمو الصناعات التحويلية والتكنولوجية، يرتفع الطلب على هذه المنتجات، وبالتالي ينعكس ذلك على استهلاك النفط الخام المستخدم في إنتاجها.
تجمع هذه العوامل الثلاثة بين النمو الاقتصادي والانتعاش في قطاع النقل والطلب الصناعي، ما يجعلها محركات رئيسية لدعم الطلب على النفط في 2025. ومع ذلك، يبقى أداء السوق عرضة للتقلبات بسبب العوامل السياسية، والتوترات التجارية، وتوجهات السياسة النقدية العالمية، وهو ما يجعل متابعة هذه المؤشرات أمراً حاسماً لفهم مسار أسعار النفط واستقرار السوق.

تحديات السوق..
رغم النظرة الإيجابية، هناك تحديات تجب مراقبتها عن كثب، مثل مستويات التضخم، وتوجهات السياسة النقدية، وعبء الديون السيادية. تُشير هذه العوامل إلى ضرورة الحذر في التوقعات المستقبلية وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإمدادات، وتوقعت "أوبك" أن ينمو المعروض النفطي من خارج تحالف "أوبك+" بمقدار 800 ألف برميل يومياً هذا العام، بدعم من زيادات الإنتاج في الولايات المتحدة، والبرازيل، وكندا والأرجنتين. أما بالنسبة إلى العام المقبل، فلم يطرأ تغير يذكر على توقعاتها لتظل كما هي عند 600 ألف برميل يوميًا.
وعلى صعيد الأسعار، شهدت أسعار النفط تقلبات حادة، إذ تراجعت إلى أدنى مستوياتها منذ أيار/ مايو الماضي بعد تهديدات الرئيس الأميركي بفرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية. ومع ذلك، استعادت الأسعار توازنها بسرعة بعد تصريحات أميركية أكثر مرونة تجاه الصين، ما يعكس قدرة السوق على امتصاص الصدمات ومرونتها أمام التوترات الجيوسياسية. يبقى السؤال الأبرز: هل ستستمر الأسواق في هذا التوازن، أم أن التحديات الاقتصادية والسياسية المقبلة قد تعيد الضغط على الأسعار مجدداً؟
**محللة أسواق مالية تعمل في شركة ACY Securities Mena
نبض