هل نحن أمام نظام مالي جديد؟

ما يجري اليوم قد لا يكون دورة اقتصادية عابرة، بل إعادة تشكيل للنظام المالي نفسه. خريطة أولية لهندسة مالية جديدة تتشكل تحت النظام القائم.
لا يزال الحديث عن “خفض الفائدة” و”التحفيز في الصين”، لكن في الأعماق تتقاطع تحولات بطيئة، تُعيد برمجة منطق الأسواق وأدواتها.
نهاية اليقين الخالي من الأخطار
طوال عقود، كانت الأسواق العالمية تدور حول مرساة واحدة: سندات الخزانة الأميركية. واليوم، تبدو تلك المرساة كأنها تفقد ثباتها.
فالدَّين الأميركي لم يعد مجرد رقم؛ بل أصبح ملفاً سياسياً. وعندما يتحوّل الدين إلى أداة نفوذ، تتوقف منحنيات العائد عن كونها توقعاً، وتتحول إلى أداة ضغطٍ بحد ذاتها.
النتيجة: لم يعد “الخالي من الأخطار” مطلقاً، بل صار المستثمرون يبحثون عن “تنويعٍ مُدارٍ بالأخطار” حوله.
تبقى سندات الخزانة ركيزة النظام المالي، لكن فكرة “الأمان المطلق” تفقد نقاءها لا مكانتها.
تفتّت السيولة العالمية
السيولة لا تختفي، بل تتشكل في جزرٍ منفصلة.
• في الولايات المتحدة، ما زالت عميقة لكنها متركزة في شركات التقنية الكبرى.
• في الصين، تتدفق نحو الصناعة لا الاستهلاك.
• وفي الخليج والهند والبرازيل، تُبنى ممرات جديدة مرتبطة بالموارد والطاقة والبنية التحتية أكثر من ارتباطها بدورات الدولار.
السيولة السياسية أصبحت إقليمية، حتى إن بقيت السيولة السوقية مرتكزة على الدولار.
السلع كضمانات مالية لا مجرّد أدوات تجارة
النفط والذهب والنحاس تعود تدريجاً إلى دورها التاريخي كأصول تُبنى عليها الثقة الائتمانية.
ففي الصين وروسيا وبعض دول الخليج، تُستخدم الأصول الحقيقية ضمنياً في دعم الائتمان الداخلي، بينما يواصل الغرب الاعتماد على “السياسة” كضمان مالي. ولهذا يصعد الذهب والبتكوين معاً.
صعود الديبلوماسية الخوارزمية
كانت الأسواق في الماضي تستجيب للكلمات، واليوم تستجيب للنمط.
الخوارزميات لا تفسر النوايا، بل الارتباطات. حينما يتحدث سياسي، يكون أول من يصغي إليه النماذج الحسابية.
تلك النماذج، عبر الصناديق المتداولة والتدفقات السلبية، تعيد تشكيل الأسعار أسرع ممّا قد تستطيع السياسة استيعابه.
من العولمة إلى كتل التسوية
ما زال الدولار في الصدارة، لكن هيمنته بدأت تتجزأ.
فالتجارة تبقى مُسعّرة بالدولار، أمّا التسوية فتتنوّع: اليوان في آسيا، الدرهم في النفط، الروبية في التجارة الإقليمية، والذهب وسيلة تسوية صامتة.
التحوّل الحقيقي ليس “إلغاء الدولار”، بل الاعتماد اللامركزي عليه: الجميع يستخدمه، لكن الثقة به لم تعد مطلقة.
** فرح مراد، محللة للأسواق في مجموعة IG