سوق النبطية التراثية تعود موقّتاً بتبرعات محلية... 85 محلّاً جاهزاً والكلفة 800 ألف دولار (فيديو)

ما أصاب سوق النبطية التراثية من تدمير ممنهج في القصف الجوي الإسرائيلي، لم يأت على الثروة والتراثية التي تمثلها تاريخية السوق وقدمها فحسب، بل قضى على نسبة كبيرة جدا من الحياة الاقتصادية وحركة التجارة في واحدة من كبريات المدن الجنوبية التي تحتضن حركة المال والأعمال في المنطقة.
من هنا أتت مبادرة افتتاح سوق بديلة، تعيد جمع القطاع التجاري موقتا، في مساحة واحدة وسط المدينة، في انتظار استكمال خطط البناء أو الترميم للسوق القديمة، وإفساح المجال أمام البناء والترميم المنظم، ووقف بعض التجاوزات في الترميم العشوائي.
ترتكز المبادرة على بناء سوق بديلة موقتة من نحو 85 محلا جاهزا توزع بتنظيم عملي، على أن تزوَّد جميعها الطاقة الشمسية، مع تأمين الخدمات اللوجيستية ذات الصلة، بكلفة إجمالية للمشروع تصل إلى نحو 800 ألف دولار، مصدرها تبرعات ومساعدات محلية بهدف إعادة النبض الاقتصادي والاجتماعي إلى المدينة.
المحال التي سيشغلها التجار موقتا ستكون مجانية، من دون أي كلفة إيجار، باستثناء مبلغ 50 دولارا شهريا بعد ثلاثة أشهر، بدل صيانة السوق وخدمات النظافة والحراسة وخلافه.
المبادرة أطلقها رجل الأعمال فادي علي أحمد مع مجموعة ناشطة من المدينة بينهم المحامية ريما جابر، والمهندسان سمير علي أحمد وأحمد كريكر، والمستشارة لينا عز الدين، ومهدي ومظفر صادق، وقد استطاعوا جمع أكثر من نصف كلفة المشروع من متمولين جنوبيين من مختلف الطوائف بدافع الحاجة الملحة إلى إعادة النبض الاقتصادي والاجتماعي إلى المدينة وتوفير بديل كريم لأصحاب المحال المدمرة.
اختيرت قطعة الأرض الواقعة قبالة الحسينية، والملاصقة للسوق القديمة – والمعروفة بأرض "البيدر" - موقعا مثاليا للمشروع. وتعدّ هذه الأرض وقفا دينيا تابعا للشيخ عبد الحسين صادق، إمام مدينة النبطية. ورغم كونها تستخدم في فعاليات دينية سنوية، أبدى صادق تجاوبا كبيرا مع الفكرة، بل بادر إلى تقديم نصف الأرض للمشروع مجانا لمدة سنتين.
وقد اعتُمد بناء السوق الموقتة باستخدام وحدات مسبقة الصنع، وليس عبر الحاويات التقليدية، لتوفير بيئة عمل لائقة. وتتكون كل وحدة من مساحة 18 مترا مربعا مجهزة بالزجاج والحاجات الأساسية.
ستُبنى السوق بأسلوب يحاكي الطابع التراثي، كما هو الحال في "خان صيدا" أو "خان طرابلس"، مع إضافة خيم ومساحات مفتوحة ومساحات ألعاب للأطفال وأماكن جلوس للأهالي.
تبلغ مساحة المشروع نحو 4 آلاف متر مربع، وقد تم تخصيص 85 وحدة تجارية ضمن هذه المساحة، وذلك بعد مسح كامل للسوق القديمة، حيث وُثّق تدمير 84 محلا كليا من أصل 261 محلا دمّرت جزئيا في النبطية بأكملها.
وفق أحمد "تقدر تكلفة المشروع بنحو 800 ألف دولار، وقد تم حتى الآن جمع 55% من المبلغ عبر تبرعات من أبناء النبطية في الداخل والخارج، وكذلك من متبرعين من طوائف ومناطق مختلفة."
يُتوقع إنجاز المشروع خلال شهرين حدا أقصى، وربما قبل ذلك، وفق ما يؤكد أحمد "خصوصا إذا تأمنت التبرعات بالسرعة اللازمة"، لافتا إلى أن "التبرع من خارج لبنان يتم عبر جمعية "بيت البركة" برئاسة مايا شمس إبرهيم شاه، أما محليا فمن خلال المحامية ريما جابر".
وفي حين تم التعاون مع شركة متخصصة في البناء المسبق، إذ بدأ العمل فعليا بالدفعة الأولى من المحال، يشترط بالمستفيدين من المشروع أن تكون محالهم دمرت كليا، على أن يفيدوا من الإعفاء من أي بدل إيجار خلال الأشهر الثلاثة الأولى، وبعد هذه الفترة، يدفعون 50 دولارا شهريا بدل صيانة، على أن يخصَص أي فائض مالي من الإيرادات كمنح دراسية لتلامذة غير قادرين على استكمال تعليمهم.
وقد لاقى المشروع ترحيبا من المعنيين، فهو في رأيه "انعكاس حقيقي لصمود اللبنانيين وإصرارهم على الحياة رغم الدمار. ويجسد روح المبادرة والتكافل بين أبناء المجتمع، ويقدم نموذجا حيويا لإعادة الإعمار المحلي السريع والمستدام".