على رغم اتفاق وقف النار بين إسرائيل و"حماس" وإعلان انتهاء الحرب في قمة شرم الشيخ، لا يبدو أن طريق البحر الأحمر ستشهد عودة فورية لحركة الشحن كما كانت قبل الأزمة. فبعد مرور 690 يوماً على بدء الهجمات الحوثية ضد السفن التجارية، لا تزال التهديدات الأمنية قائمة، فيما تترقّب شركات النقل البحري تطورات الأوضاع قبل اتخاذ أي قرار بالعودة إلى هذا الممر الحيوي.

أهمية البحر الأحمر في التجارة العالمية
يُعدّ البحر الأحمر أحد أهم الممرات المائية في العالم، إذ يربط بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، التي تمثل أسرع طريق بحرية بين آسيا وأوروبا.

قبل الأزمة، كانت تمر عبر البحر الأحمر نحو 12% من التجارة العالمية، أي قرابة 25 ألف سفينة سنوياً تحمل بضائع تتجاوز قيمتها تريليونات الدولارات.

ويمر عبر قناة السويس وحدها نحو 1.2 مليار طن من البضائع سنوياً، وتؤمن لمصر إيرادات تفوق 9 مليارات دولار سنوياً.

لكن منذ أواخر عام 2023، ومع تصاعد الهجمات على السفن التجارية، اضطرت الشركات الكبرى إلى تحويل مسارها نحو رأس الرجاء الصالح في جنوب إفريقيا، ما أضاف بين 10 إلى 15 يوماً إضافياً على مدة الرحلة، وزاد من تكلفة الشحن بنسبة تراوح بين 40% و70%، بحسب تقديرات شركات التأمين والنقل البحري.

الشحن في البحر الأحمر (وكالات)

العودة لن تكون فورية
في حديث إلى"النهار"، أوضح الباحث الاقتصادي والسياسي د. محمد موسى أن "العودة إلى البحر الأحمر لن تكون فورية كما كانت قبل الأزمة. فحتى مع وقف النار بين إسرائيل وحماس، لا تزال التهديدات الحوثية قائمة، ولم تُعقد بعد أي تسوية شاملة تُنهي المخاطر في البحر الأحمر".

وأضاف: "شركات الشحن الكبرى تتعامل مع هذه الأوضاع بحذر شديد، لأنها تضع سلامة الطواقم وتأمين البضائع فوق أي مكسب زمني أو مالي، لذلك سيستمر كثير من الخطوط البحرية في تجنّب البحر الأحمر لبعض الوقت، والاستمرار عبر رأس الرجاء الصالح إلى أن تتضح الصورة الأمنية والسياسية تماماً".

وأشار إلى أن "العودة ستكون تدريجية جداً وليست فورية، حتى في حال وجود انفراج سياسي".

انعكاسات الأزمة على الاقتصاد العالمي
أدى استمرار تحويل السفن بعيداً عن البحر الأحمر إلى ارتفاع أكلاف النقل والتأمين البحري إلى مستويات قياسية، ما انعكس على أسعار السلع الأساسية حول العالم.

فارتفاع التكلفة يعني أن أسعار النفط، الحبوب، المواد الخام، والإلكترونيات ستظل مرتفعة نسبياً، بخاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي أثرت على سلاسل الإمداد بعد جائحة كورونا والحروب المتنقلة في أوكرانيا والشرق الأوسط.

ويقدّر خبراء أن مرور السفن عبر رأس الرجاء الصالح بدلاً من قناة السويس أضاف نحو 1.5 إلى 2 مليون دولار إضافية على تكلفة الرحلة الواحدة، تبعاً لحجم السفينة ونوع البضائع.

كما تراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة تتجاوز 40% منذ بداية الأزمة، في حين استفاد بعض الموانئ الإفريقية من زيادة حركة السفن حول القارة موقتاً.

احتمالات الانفراج وتأثيرها على الأسعار
يؤكد موسى أن تحسّن الأوضاع وعودة الملاحة تدريجاً عبر البحر الأحمر سيؤديان إلى انخفاض أكلاف  النقل، لأن طريق قناة السويس أقصر وأرخص بكثير من الالتفاف حول إفريقيا.

ويضيف: "في حال استقرار الأوضاع، يمكن أن نشهد تراجعاً تدريجياً في أسعار السلع الأساسية حول العالم، لكن طالما بقي الخطر قائماً أو الشركات مترددة في العودة، ستبقى الأسعار مرتفعة نسبياً بسبب تكلفة التأمين والوقت الإضافي".

العودة مرهونة بالأمن الشامل
تواجه عودة الملاحة الطبيعية عبر البحر الأحمر تحديات أمنية وسياسية معقّدة تتجاوز وقف النار في غزة. فغياب ضمانات من الحوثيين واستمرار التوترات الإقليمية يجعل العودة السريعة شبه مستحيلة حالياً.

وفي ظل عالم يعاني من تضخم مرتفع وسلاسل إمداد متوترة منذ جائحة كورونا، تبدو حاجة الاقتصاد العالمي إلى استقرار البحر الأحمر أكبر من أي وقت مضى، لأنه يمثل شرياناً أساسياً للتجارة العالمية.

حتى إشعار آخر، سيبقى البحر الأحمر منطقة ترقّب لا عبور، والعودة إليه مرهونة بحل سياسي وأمني شامل يضمن أمن الملاحة بشكل دائم ويعيد الثقة الى شركات الشحن العالمية.