أسهم أميركا تهوي بعد تصريحات ترامب… هل انفجرت فقاعة التقييمات؟

شهدت الأسواق الأميركية الجمعة واحدة من أعنف جلسات التداول هذا العام، بعدما تراجعت المؤشرات الرئيسية بشكل حاد إثر تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب حول فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على الواردات الصينية، في خطوة أعادت إشعال المخاوف من اندلاع حرب تجارية جديدة بين واشنطن وبكين. وسجّلت هذه التراجعات أقوى انخفاض يومي منذ نيسان/ أبريل 2025، لتكشف عن مدى هشاشة الأسواق أمام أي صدمة سياسية أو اقتصادية مفاجئة.
وقد انخفض مؤشر ناسداك، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بأكثر من 3.5%، فيما تراجع مؤشر S&P 500 بنسبة 2.8%، وهبط مؤشر داو جونز الصناعي بما يقارب 950 نقطة. وكانت أسهم التكنولوجيا الأكثر تضرراً، إذ شهدت شركات مثل إنفيديا (NVIDIA) وتسلا (Tesla) وآبل (Apple) خسائر حادة بعد أن أثارت تصريحات ترامب مخاوف بشأن تعطل سلاسل الإمداد العالمية وارتفاع الأكلاف التشغيلية.
ورغم هذا الهبوط العنيف، ما زالت المؤشرات الأميركية تُظهر مكاسب قوية منذ بداية العام (YTD) مدفوعة بزخم الذكاء الاصطناعي وارتفاع تقييمات الشركات التقنية الكبرى. فقد ارتفع مؤشر ناسداك بنحو 15%منذ بداية عام 2025، بينما حقق مؤشر S&P 500 مكاسب تقارب 11%، وارتفع مؤشر داو جونز الصناعي بأكثر من 7% حتى نهاية الأسبوع الماضي. إلا أن هذه المكاسب الكبيرة جعلت الأسواق أكثر عرضة لتقلبات حادة عند أي تطور سلبي، إذ أن الأسعار المرتفعة مسبقاً تترك مساحة ضئيلة للمفاجآت السلبية من دون ردود فعل قوية.
في الواقع، أصبحت الأسهم الأميركية، وبخاصة أسهم التكنولوجيا، مبالغاً في تقييمها بشكل واضح بعد الارتفاع المستمر منذ مطلع العام. هذا التضخم في الأسعار جعلها أكثر حساسية لأي أخبار رئيسية، سواء كانت تتعلق بالمنافسة الصينية، أم بنتائج الشركات، أو بالتوجيهات المستقبلية للأرباح، أم حتى بتصريحات سياسية مثل تهديد ترامب الأخير بالرسوم الجمركية.
وفي مثل هذه الحالات، تزداد تقلبات السوق بشكل حاد، إذ يسارع المستثمرون إلى تقليص تعرضهم للأصول العالية الأخطار، ما يؤدي إلى تحركات سعرية عنيفة عبر سائر المؤشرات. وقد انعكس هذا بوضوح في مؤشر التقلبات (VIX)، الذي قفز بنحو 25% خلال جلسة الجمعة ليصل إلى أعلى مستوياته منذ منتصف العام، في إشارة إلى ارتفاع مستوى القلق وعدم اليقين في وول ستريت.
من الناحية الأساسية، جاءت تصريحات ترامب بعد إعلان الصين فرض قيود على صادرات المعادن النادرة، وهي عناصر أساسية في صناعة الرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية والتكنولوجيا المتقدمة. وردّ ترامب بلهجة حادة مهدداً بفرض تعريفات ضخمة، ما أعاد إلى الأذهان مرحلة التوتر التجاري في 2018 التي كبّدت الاقتصادين الأميركي والصيني خسائر كبيرة. ورغم أن ترامب حاول تخفيف نبرته لاحقاً الأحد بالقول إن "الولايات المتحدة تريد مساعدة الصين لا إيذاءها"، لم تستعد الأسواق ثقتها بعد.
على الصعيد التحليلي، تُظهر التطورات الأخيرة أن الأسواق الأميركية باتت رهينة التقييمات المفرطة والمضاربات القصيرة الأجل، وأن الأسعار الحالية لم تعد تعكس الواقع الاقتصادي بقدر ما تعكس التفاؤل المفرط بسياسات الفائدة المخفوضة والسيولة الوفيرة. هذا الوضع يجعل الأسواق أكثر هشاشة أمام أي تغير في المزاج الاستثماري أو أي صدمة سياسية.
كما أن التوتر التجاري الجديد بين واشنطن وبكين يأتي في وقت حساس يشهد استمرار إغلاق الحكومة الأميركية، وتزايد التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سيقوم بخفض أسعار الفائدة مرتين إضافيتين هذا العام. هذه العوامل مجتمعة ساهمت في تعزيز الطلب على الذهب الذي تجاوز مجدداً حاجز الـ 4000 دولار للأونصة، في حين تراجع الدولار الأميركي قليلاً وسط ضغوط على عوائد السندات.
في النهاية، يمكن القول إن ما حدث الجمعة لم يكن مجرد تصحيح فني أو رد فعل عابر، بل تحذير واضح من أن مرحلة التقييمات المبالغ فيها بلغت ذروتها. ومع ارتفاع مؤشر الخوف (VIX) وتزايد التقلبات، يبدو أن الأسواق دخلت مرحلة جديدة من الحذر الشديد، بحيث يمكن لأي تصريح سياسي أو تطور اقتصادي أن يغير اتجاهها في غضون ساعات قليلة.ويبقى السؤال الأهم: هل كان هبوط الجمعة بداية لتصحيح أوسع يعيد التوازن إلى الأسواق الأميركية بعد عام من الارتفاعات المفرطة؟ أم أن وول ستريت ستواصل تجاهل إشارات الخطر، إلى أن تأتي الصدمة الكبرى التي تعيدها إلى أرض الواقع؟
(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.