يُقدَّر أن حجم سوق القهوة العالمية بلغت عام 2024 نحو 269.3 مليار دولار مع توقع تسجيلها قرابة 369.5 مليار دولار بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركّب يقارب 5.3 في المئة. كما يُقدَّر أن سوق "القهوة المختصّة" عالمياً سجّلت نحو 101.6 مليار دولار عام 2024 مع نمو يفوق 10 في المئة حتى عام 2030.

إقليمياً، تتسارع الديناميكية ذات الصلة في الشرق الأوسط، وخصوصاً في الخليج العربي. تقدّر تحليلات القطاع إيرادات سوق القهوة في منطقة مجلس التعاون الخليجي عام 2024 بنحو 6.84 مليارات دولار، مع ثقلٍ واضح لدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وذلك على مستوى المقاهي و"العلامات التجارية الممتدة" ذات الصلة (تلك التي توسّعت إلى مجالات جديدة من ضمن النشاط الأصلي). وعلى نطاقٍ أوسع، تشير قراءات السوق إلى مسار صعودي قوي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حتى نهاية العقد الجاري.

أما الاتجاهات الكبرى عالمياً وعربياً فمتقاربة: صعود القهوة الباردة والجاهزة للشرب، وتحول القهوة إلى "منتج خبرة" يُبَاع في ضوء سرد يتناول مصدر حبوب البن واستدامة الحصول عليها وجودة تحميصها. وثمة بيانات تظهر نمواً لافتاً في فئة القهوة الباردة والجاهزة للشرب (ready to drink أو RTD) خلال 2023-2025، مدفوعاً بإقبال الشباب عليها، مع إطلاقات متسارعة من السلاسل العالمية تستهدف هذه الذائقة.

لماذا ترتفع الأسعار؟ تتضافر الأسباب بين طقسٍ متقلّب في بلدان المنشأ، ومخزوناتٍ محدودة، وتوازنٍ دقيق بين العرض والطلب. ووفق تقديرات وزارة الزراعة الأميركية، يُنتظر أن يبلغ إنتاج العالم في موسم 2025-2026 نحو 178.7 مليون كيس (زنة 60 كيلوغراماً للكيس)، في مقابل استهلاكٍ قياسيّ يناهز 169.4 مليون كيس، ما يُبقِي الفائض ضئيلاً والمخزونات مخفوضة. لذلك قد تلتهب الأسعار سريعاً في أي موجة جفاف أو موسم أمطار غزيرة خلال مراحل النمو. وبالفعل، سجّلت عقود "أرابيكا" (القهوة الأجود والأكثر انتشاراً في العالم والمنسوبة في الأصل إلى شبه الجزيرة العربية) مستويات مرتفعة خلال عام 2025، إذ قاربت في بعض جلسات التداول 4.24 دولارات (424 سنتاً) للباوند (453.6 غراماً)، وسط تقلبات حادّة مدفوعة بعوامل الطقس وتقلّص الإمدادات.

كيف سينعكس ذلك على الجيل زد والجيل ألفا، أي، على التوالي، أول جيل نشأ في عالم رقمي متصل الأرجاء، وأول جيل ترعرع في عصر الذكاء الاصطناعي؟ يميل سلوك الشراء لدى الجيلين بقوة نحو المشروبات الباردة والجاهزة والمكوّنات "الوظيفية" (مثل البروتين)، مع حساسية متزايدة للاستدامة والتخصيص. وتتعزّز هذه الإشارات بإطلاقات تجارية كبيرة عام 2025 تستهدف تحديداً الشرائح الشابة الباحثة عن برودةٍ وطاقةٍ وخياراتٍ صحّية نسبياً. النتيجة: حصة أكبر للبارد والجاهز للشرب، وعبوات أصغر ووصفات أقل سكّراً، وقنوات بيع أوسع خارج المقاهي التقليدية.

كيف تتأثر المقاهي الجديدة؟ تضغط تكلفة السلع والطاقـة والإيجارات الهوامش، لكن الطلب يبقى متيناً في أسواق الخليج ذات الدخل المرتفع والحضور السياحي. وتجمع أنجح النماذج بين تنويع الإيرادات (بيع الحبوب والاشتراكات)، وتعزيز فئة البارد والجاهز للشرب، والاستثمارات في الكفاءة وسلاسل الإمداد المرنة، مع مراعاة الاستدامة. ومن المرجح أن يستمر توسّع العلامات في الإمارات والسعودية مع ضبط الانتشار بحسب الأحياء والقوة الشرائية.

أسعار "أرابيكا" إلى أين في الأجل القريب؟ وهل يتأثر الخليج؟ لا يوجد "سعر عادل" ثابت في سوق شديدة التقلب، لكن نطاق 3-4 دولارات للباوند يبقى منطقياً طالما بقيت المخزونات مخفوضة والطقس متقلّباً؛ قد نشهد ارتفاعات سعرية قياسية موقتة عند أي اضطراب مناخي أو صدمات لوجستية. ويأتي التأثر الخليجي عبر قنوات الاستيراد وتسعير المقاهي، للمشروبات المخصصة خصوصاً. وكثيراً ما تمتصّ السلاسل جزءاً من الصدمة السعرية بالتحوّط وتعديل الأمزجة، فيما يُمرَّر جزءٌ آخر إلى المستهلك نظراً إلى متانة الطلب في الإمارات والسعودية.

هل سنفتقد يوماً فنجان الصباح؟ الأرجح لا. يتجه المعروض العالمي إلى مستويات قياسية في 2025-2026، لكن التقلّبات ستلازم السوق بفعل ظروف المناخ ودورات الإنتاج؛ هذا يعني قهوةً أغلى وأشدّ تذبذباً على صعيد السعر لا انقراض القهوة. فالقطاع يتكيّف عبر تهجين حبوب البن بما يجعلها أكثر تحمّلاً لتقلبات المناخ، وتوسيع رقعة المنشأ، وتحسينات لوجستية، في حين ستبقى تجربة القهوة – ساخنة أو باردة – جزءاً راسخاً من نمط الحياة حول العالم.