شهدت أسعار الذهب تحولات كبيرة بين عامي 1970 و2025، متأثرة بالأحداث الاقتصادية والجيوسياسية. ففي عام 1970، كان سعر أونصة الذهب نحو 35 دولاراً وفقاً لنظام بريتون وودز، الذي ربط الدولار بالذهب. 

في عام 1979، بلغ سعر الذهب نحو 307 دولارات للأونصة، وكانت الأحداث الرئيسية في تلك الفترة تشمل سياسات البنك المركزي الأميركي وخلافه مع البيت الأبيض وارتفاع التضخم، ما تسبب في تضخم عالمي وركود اقتصادي، وزادت المخاوف من انهيار النظام المالي العالمي، ما دفع المستثمرين إلى شراء الذهب كملاذ آمن. 

في عام 2008، وبعد 12 عاماً من تلك الارتفاعات، بلغ سعر الذهب 1000 دولار للأونصة، وواجه العالم أزمة مالية عالمية بعد انهيار مؤسسات مالية كبرى مثل  ليمان براذرز.

اتخذت البنوك المركزية إجراءات غير تقليدية مثل خفض أسعار الفائدة وشراء الأصول لدعم الاقتصاد، وزادت المخاوف من التضخم والركود، ما دفع المستثمرين إلى شراء الذهب كتحوط ضد المخاطر. 

View this post on Instagram

A post shared by Annahar Al Arabi (@annaharar)

في بداية عام 2020، كان سعر أونصة الذهب يتراوح بين 1,517 و1,611 دولاراً. ومع تفشي جائحة كوفيد-19 في آذار/مارس 2020، ارتفعت الأسعار بشكل حاد، حيث سجلت أعلى مستوى لها في آب/أغسطس متجاوزةً 2,070 دولاراً للأونصة.

شهدت أسعار الذهب في عام 2025 ارتفاعاً غير مسبوق، حيث تجاوزت حاجز 4,000 دولار للأونصة لأول مرة في التاريخ. تصاعدت التوترات الجيوسياسية، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا وحرب الرسوم الجمركية، وزادت أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لمكافحة التضخم، وانخفضت قيمة الدولار، وهذا دفع المستثمرين إلى شراء الذهب تحوطاً من انخفاض العملة، إضافة إلى زيادة طلب البنوك المركزية والمستثمرين المؤسسيين على المعدن الأصفر. 

في بداية العام، كانت أسعار الذهب في حدود 2,700 دولار للأونصة، وبحلول نهاية كانون الثاني/يناير، ارتفعت الأسعار إلى نحو 2,812 دولاراً للأونصة، مسجلةً زيادة بنسبة 8% مقارنةً ببداية الشهر، واستمرت الأسعار في الارتفاع في شباط/فبراير حيث سجلت أعلى مستوى لها في الشهر عند 2,951 دولارين للأونصة، وبلغ متوسط السعر في مارس 2,987 دولارين للأونصة مع أعلى مستوى شهري عند 3,124 دولاراً. 

في النصف الثاني من العام، واصلت أسعار الذهب صعودها بسبب عدم اليقين السياسي وتخفيض الفوائد في أميركا وتراجع الدولار، حيث تجاوزت 3,900 دولار للأونصة في تشرين الأول/أكتوبر، وفي 8 أكتوبر 2025 سجلت الأسعار أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 4,050 دولارًا للأونصة في السوق الفورية و4,070 دولارًا في العقود الآجلة.

هنا، يظهر أفضل أداء سنوي منذ سنة 1970، حيث شهدنا تضخماً مفرطاً وضعفاً في الدولار، ونرى تحوّلاً هيكلياً في إدارة المحافظ المالية، حيث يطلب البعض زيادة بنسبة 15% وآخرون بنسبة 25%، ويعود ذلك لمقولة  "جي بي مورغان" في سنة 1912:  "Gold is money, everything is credit"

شهد الذهب خلال أكثر من خمسة عقود تحولات حادة، بين قفزات قياسية وانخفاضات مرتبطة بالأزمات الكبرى، من انهيار نظام بريتون وودز إلى جائحة كوفيد-19، ومن أزمة 2008 إلى التوترات الجيوسياسية في 2025. وأثبت الذهب مراراً مكانته كملاذ آمن ووسيلة تحوط في وجه التقلبات الاقتصادية والمالية.

ومع تخلي المستثمرين عن بعض أدوات الاستثمار التقليدية، وازدياد الاهتمام المؤسسي بالذهب، وارتفاع الطلب من البنوك المركزية، والتوجه نحو تنويع المحافظ الاستثمارية في ظل مخاوف التضخم وضعف العملات، يبدو أن الذهب لم يعد فقط مخزناً للقيمة، بل أصبح جزءاً رئيسياً من استراتيجيات التحوّط وإدارة الأصول على المدى الطويل.

السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل يدفع تسارع الأحداث الاقتصادية الذهب لكسر حاجز الألفية الخامسة أسرع مما نتوقع؟ هل نحن أمام عصر ذهبي جديد، يتحول فيه الذهب من أصل تحوطي إلى أصل استراتيجي دائم؟ أم أن موجة الصعود الحالية ستتبعها دورة تصحيح جديدة كما حدث في محطات سابقة؟

الزمن وحده سيكشف الأمر، لكن المؤكد أن الذهب يبقى في قلب النقاشات الاقتصادية والمالية، كمؤشر على الثقة أو غيابها.