شهدت أسواق الطاقة العالمية تحولات واضحة خلال الأيام الماضية، عقب إعلان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، ما انعكس بشكل مباشر على أسعار النفط وأسواق العملات، خاصّة الدولار الأميركي. تراجعت أسعار النفط بعد الإعلان عن وقف إطلاق النار، حيث بلغ سعر خام برنت 65.91 دولاراً للبرميل. وسجّل خام غربي تكساس الوسيط 62.17 دولاراً، في حين يعزى الانخفاض إلى تراجع المخاوف بشأن تعطيل إمدادات النفط في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال المخاوف قائمة حول مستويات المخزون النفطي الأميركي، وهو ما قد يؤثر على استقرار الأسعار في الفترة المقبلة.

إن استمرار التوترات في الشرق الأوسط يجعل الأسواق النفطية أكثر حساسية لأيّ تغيرات جيوسياسية، ما قد يدفع الأسعار إلى تقلبات ملحوظة في الفترة المقبلة.

على الرغم من تراجع أسعار النفط، حافظ الدولار الأميركي على قوته في الأسواق العالمية مدعومًا بالطلب المستمر عليه كعملة احتياطية رئيسية، وبسياسات البنك المركزي الأميركي التي تعزز استقرار العملة. في الوقت ذاته، بدأت بعض دول الشرق الأوسط وآسيا في توسيع استخدام عملاتها المحلية في التجارة الدولية، وهو ما قد يقلل تدريجيًا من هيمنة الدولار على الأسواق العالمية.

تؤثر التوترات في الشرق الأوسط بشكل مباشر على الاقتصادات المعتمِدة على النفط، حيث قد يؤدي انخفاض الأسعار إلى تراجع الإيرادات الحكومية والتأثير على الميزانيات الوطنية. في المقابل، يمكن لبعض الدول أن تستفيد من انخفاض أسعار النفط عبر استيراد الطاقة بتكلفة أقل، مما يساهم في تقليل العجز التجاري وتحسين الميزان التجاري. وتظهر التوقعات أن استمرار التوترات الإقليمية قد يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع مجددًا، ما سيدعم الدولار الأميركي بالمقابل، بينما قد تؤدّي زيادة استخدام العملات المحلية في التجارة الدولية إلى تقليل الطلب على الدولار والتأثير على قيمته على المدى الطويل. وأي انتعاش في الاقتصاد العالمي سيزيد الطلب على النفط، مما يدعم الأسعار والعملات المرتبطة بها.

وأظهرت البيانات الأميركية ارتفاع استهلاك النفط الأسبوع الماضي إلى 21.990 مليون برميل يوميًا، وهو أعلى مستوى منذ ديسمبر 2022، بينما ارتفعت المخزونات 3.7 ملايين برميل، متجاوزة التقديرات السابقة عن 2.250 مليون برميل، ما يسلط الضوء على قوة الطلب في السوق. وفي الوقت نفسه، شهدت أسعار النفط ارتفاعاً بنحو 3% منذ بداية الأسبوع، بعد إعلان مجموعة أوبك+ رفع الإنتاج للشهر المقبل بمقدار 137 ألف برميل يوميًا فقط، بأقلّ من التوقعات السابقة، في ظل مخاوف من تخمة المعروض في السوق.

وبلغت العقود الآجلة لخام برنت 66.25 دولاراً للبرميل، فيما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي إلى 62.55 دولاراً للبرميل، مسجّلة أعلى إغلاق منذ أواخر سبتمبر. في المقابل، إن زخم جهود التوصل إلى اتفاق سلام مع كييف قد استُنفد إلى حدّ كبير، مما قد يُتيح لاحقًا تدفّق كميات إضافية من النفط الروسي إلى الأسواق العالمية، حيث كانت روسيا ثاني أكبر دولة منتجة للنفط الخام بعد الولايات المتحدة خلال العام الماضي. وأكّد نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، أن بلاده ترفع إنتاجها تدريجيًا لتقترب من حصتها الإنتاجية في مجموعة أوبك+.

وعلى صعيد السياسات الاقتصادية، حصلت أسعار النفط على دعم من توقعات المستثمرين بخفض الاحتياطي الفيديرالي الأميركي لمعدلات الفائدة، رغم غياب البيانات الاقتصادية الأخيرة بسبب الإغلاق الحكومي. وتشير أدوات السوق إلى احتمال خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس خلال اجتماع الفيديرالي في هذا الشهر، ما قد يعزز النمو الاقتصادي وارتفاع الطلب على النفط.

تعكس هذه التطورات مدى تأثر أسواق النفط والدولار بالأحداث الجيوسياسية والاقتصادية، حيث يظل النفط متذبذبًا والدولار مستقراً في نطاق ضيق، مع بقاء التحولات في الشرق الأوسط وأوكرانيا عاملاً حاسمًا في تحديد مسار الأسواق خلال الفترة المقبلة.