في خضم أجواء من الضبابية السياسية والمالية، يسجّل الذهب هذه الأيام أداءً استثنائيًا، ليخترق سقوفاً تاريخية جديدة مدفوعاً برهانات قوية على خفض الفائدة الأميركية، وتذبذبات الدولار، وموجة القلق العالمية التي تصب في مصلحة الملاذات الآمنة.
فمنذ بداية تعاملات أكتوبر، اقترب سعر الأونصة من مستويات تجاوزت 3,896 دولاراً، وهو أعلى رقم مسجّل على الإطلاق، لتتردد السوق حالياً بين نطاق 3,763 – 3,897 دولاراً تقريباً. هذا الارتفاع يعكس ربحاً يقارب 134 دولاراً عن الحد الأدنى لنطاق التداول المطروح، وهي قفزة كبيرة في سوق بحساسية عالية حيال المتغيّرات الاقتصادية والسياسية الحالية.
ما هي أهم العوامل داعمة للارتفاع المستمر؟ 1.رهان السوق على خفض الفائدة الأميركية: مع تباطؤ واضح في بعض مؤشرات الاقتصاد الأميركي وبيانات توظيف متذبذبة، بات المستثمرون يسعّرون احتمال خفض فائدة بمقدار 25 نقطة أساس في الاجتماع المقبل للـ"فيدرالي"، وفق أداة فيد ووتش. في ظل هذه التوقعات، يفقد الدولار الأميركي بعضاً من قوته، مما يرفع من جاذبية الذهب كأصل عديم العائد.
2.إغلاق الحكومة الأميركية وتجميد البيانات الاقتصادية الرسمية: الإغلاق الحالي الحكومي في الولايات المتحدة يعرقل صدور بيانات محورية كالوظائف غير الزراعية وطلبات إعانة البطالة، مما يزيد من حالة الغموض حول المسار الاقتصادي الفعلي، ويغذي حماسة المتداولين نحو الملاذات الآمنة، بما في ذلك الذهب.
3.الضعف النسبي للدولار الأميركي: مؤشر الدولار هبط بنحو 0.45٪، مما يعزز جاذبية الذهب للمشترين بالعملات الأخرى. تجارة الاقتصاد وهذا التراجع في العملة الأميركية يساهم بشكل مباشر في الضغط الصاعد على الذهب.
4.الطلب المؤسسي والمركزي: البنوك المركزية حول العالم مستمرة في تراكم احتياطيات الذهب، وهو نهج دعم للبنية الأساسية للطلب. كما أن المستثمرين الأفراد وصناديق الذهب (ETFs) يساهمون في ضخ سيولة إضافية في السوق.
أخطار قائمة رغم الزخم الصعودي للذهب... وعلى رغم الزخم القوي الذي يشهده الذهب حالياً، إلا أن احتمالات التصحيح تبقى قائمة، إذ قد يؤدي أي تشدّد مفاجئ من جانب الاحتياطي الفيدرالي، في حال جاءت بيانات التضخم أو النمو أقوى من المتوقع، إلى تقليص رهانات خفض الفائدة والضغط على الأسعار. كما أن الارتفاعات الحادة عادةً ما تفتح المجال أمام عمليات جني أرباح أو تصحيحات فنية قصيرة الأجل، خصوصاً عند ملامسة مستويات مقاومة قوية. وإلى جانب ذلك، فإن أي تحسن مفاجئ في البيانات الاقتصادية الأميركية أو تبدّل في معنويات المستثمرين قد يدفع الأسواق للانحسار عن الذهب. ولا يُستبعد أيضاً أن يتحوّل الإغلاق الحكومي الأميركي من عامل داعم إلى ضاغط إذا طال أمده وأدى إلى تفاقم الأضرار الاقتصادية.
ذهب (وكالات)
الترقّب بين 3900 و4000 دولار هل يمكن أن يصل الذهب إلى 4,000 دولار للأونصة بنهاية السنة؟ بعض التحليلات والمراكز البحثية ترى أن ذلك ممكن إذا استمرت العوامل الداعمة، خصوصاً خفض الفائدة وتزايد الطلب المركزي. على سبيل المثال، تتوقع "جولدمان ساكس" أن الذهب قد يرتفع نحو 3,700 دولار بحلول نهاية العام إذا ما استمرت عمليات الشراء من البنوك المركزية وصناديق المستثمرين. أما J.P. Morgan فتشير إلى أن 4,000 دولار ليس هدفاً بعيد المدى، ومرجّحة أن يصل المعدن النفيس له مع حلول منتصف 2026. لكن من الناحية الفنية، إن اخترق الذهب حاجز 3,900–3,920 دولار بثبات، فقد يفتح الباب أمام دفع نحو 4,000. أما إذا فشل في اختراق هذا الحاجز أو تعرض لهجوم تصحيحي، فقد يعود للتراجع إلى مستويات دعم مثل 3,700 أو 3,650 دولاراً.
إن المكاسب التي حققها الذهب أخيراً تُعد كبيرة، لكنها ليست خارقة في سياق تحرّكات الأصول في الفترات المتأثرة بالتدخلات النقدية والسياسات الجيوسياسية. يبدو أن الذهب يسير على حافة الحلم بـ 4,000 دولار، لكن هذا المسار ليس مفروشاً بالورود فالعوامل الأساسية والفنية ستحدد الاتجاه بصورة حاسمة في الأسابيع المقبلة.
إذن، السؤال الأقوى: هل نترقّب ارتفاعاً إضافياً مدفوعاً بتيسير نقدي مستمر وضغوط مؤسساتية على الدولار؟ أم سنشهد تصحيحاً مؤقتاً لتبديد بعض الضغط وجني الأرباح؟ المفتاح يكمن في الأحداث القادمة، بيانات الاقتصاد الأميركية، قرار الفائدة، ومدى استمرارية الإغلاق الحكومي. من الآن، أرى أن الأسواق قد تختبر موجة تصحيح فنية موقتة نحو 3,700–3,800 في حال تردّد الدولار أو ضعف التفاؤل، لكن السيناريو الصاعد نحو 4,000 دولار يظل معقولًا إذا استمرت العوامل الإيجابية خصوصاً إذا أصبحت مشتريات البنوك المركزية وصناديق الذهب ضخمة ولا تتباطأ.