يشهد البيتكوين بداية شهر أكتوبر واحدة من أكثر مراحله تألقاً منذ نشأته، إذ يتم تخطيه حاجز,125,000 دولار، محققاً ارتفاعاً يقارب 32% منذ بداية العام. هذه القفزة التاريخية تُعيد إلى الأذهان لقب الشهر الشهير في عالم العملات الرقمية، "Uptober"، وهو مصطلح يعكس الأداء الإيجابي شبه المتكرر للبيتكوين خلال أكتوبر، الذي أنهى خلاله مكاسبه في 10 من أصل 14 سنة، بمتوسط ارتفاع سنوي يناهز 27%. لكن هذا العام يبدو مختلفاً من حيث عمق العوامل الدافعة واتساع المشاركة المؤسسية في الصعود.
خلف هذا الارتفاع، تقف تحوّلات جوهرية في السياسة النقدية والمالية العالمية. فالأسواق باتت تترقّب مسار تيسير نقدياً تدريجياً في الولايات المتحدة خلال 2026، ما عزّز شهية المخاطرة نحو الأصول ذات العوائد المرتفعة. بالتوازي، فإن تراجع الدولار وتزايد المخاوف المالية الأميركية خلقا بيئة مواتية لتدفّقات على الأصول البديلة، وهو ما استفاد منه البيتكوين باعتباره "ذهباً رقمياً" في مواجهة ضعف العملات الورقية. كما أن تدفقات صناديق المؤشرات الفورية للبيتكوين (ETFs) ساهمت في ترسيخ قبوله المؤسسي، ورفعت السيولة والشفافية مقارنة بالدورات السابقة. هذا الزخم المؤسسي تعزّز أيضاً بتحسينات البنية التقنية التي خفّضت تكلفة التحويلات ورفعت من قابلية الاستخدام اليومي.
بيتكوين (وكالات)
العوامل الجيوسياسية الحاضرة,من توترات التجارة إلى ملفات الطاقة والديون السيادية,دفعت أيضاً إلى تنويع أدوات التحوّط بعيداً من الذهب والسندات فقط، لتشمل البيتكوين الذي أخذ مكانة أكثر رسوخاً في المحافظ المتحفظة وشبه المتحفظة.
أما بشأن العلاقة مع الذهب، فالصورة أدقّ من اختزالها بارتباط ثابت. تاريخياً، ظلّت الارتباطات بين البيتكوين والذهب مخفوضة ومتغيرة عبر الزمن؛ وقد أظهرت تحليلات السوق أن العلاقة بين تحركات الذهب والبيتكوين عادة ما تكون ضعيفة ومتغيرة، فهما لا يتحركان دائماً في الاتجاه نفسه، مما يجعل كل واحد منهما مكملاً للآخر في المحافظ الاستثمارية.
في عام 2025 تحديداً شهدنا فترات تفكّك/تباعد ملحوظة مطلع العام، ثم عودةٍ إلى حركة متزامنة في الخريف مع تصاعد مخاطر الإغلاق الحكومي الأميركي والقلق من المخاطر المالية، عندما سجّل الذهب والبيتكوين قمماً تاريخية متقاربة زمنياً. الخلاصة العملية للمستثمر هي أن الارتباط ديناميكي: يميل إلى الضعف على المدى المتوسط، لكن هذه العلاقة قد تقوى موقتاً عندما تتأثر الأسواق بعوامل مشتركة، مثل المخاطر المالية أو نقص السيولة، وهو ما شهدناه أخيراً عندما ارتفع الذهب والبيتكوين معاً بحثاً عن الأمان.
وتبرز هنا فكرة "التناوب" بين الذهب والبيتكوين في موجات الأداء القصيرة: عندما ينطلق الذهب بقوة يميل البيتكوين إلى الاستقرار النسبي، وحين يهدأ المعدن الأصفر تزداد فرص تحرّك البيتكوين، وهو نمط لوحظ أكثر من مرة هذا العام، ويعكس اختلاف حساسية كل أصل لمحركات الماكرواقتصادية المختلفة (أسعار الفائدة، تقلبات الأسهم، ضغوط السندات، ومخاطر المالية العامة). من زاويةٍ أخرى، قفزت أحجام التداول في أكبر صناديق الذهب والبيتكوين المتداولة إلى قوائم الأكثر نشاطاً في الأيام الماضية، ما يعكس طلباً متزامناً على الأمان والتحوّط من المخاطر عبر الأصلين، ويُظهر أن المستثمرين الكبار لا يعتبرون الذهب والبيتكوين منافسين، بل يستخدمونهما معاً بحسب ظروف السوق.
عملياً، يعني ذلك أن دمج الذهب والبيتكوين,بأوزان مدروسة,قد يحسّن العوائد المعدّلة بالمخاطر مقارنة بالاعتماد على أحدهما منفرداً، خصوصاً أن دور كلّ منهما يختلف تبعاً لطبيعة الصدمة: يميل الذهب إلى الأداء الأفضل في فترات هبوط الأسهم الحادّ، فيما يظهر البيتكوين مرونة أكبر عندما تكون ضغوط السوق نابعة من السندات/عوائد الخزانة أو المخاطر المالية. لذا، وبينما يحافظ البيتكوين على زخمه قرب 124 ألف دولار ويُجسّد روح "Uptober"، يبقى التكامل الذكي مع الذهب من أهم الدروس الاستثمارية لهذا العام: أصلان مختلفان في الحساسية والوظيفة، لكنّهما تحت ظروفٍ كلية معيّنة قد يتحرّكان معاً ويعزّزان بعضهما بعضاً داخل المحفظة.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل أن البيتكوين يبقى أحد أكثر الأصول تقلباً في العالم المالي. فعلى رغم الزخم الإيجابي القوي خلال عام 2025، إلا أن العملة الرقمية ما زالت عرضة لتحركات مفاجئة وسريعة قد تتجاوز في بعض الأحيان 10% خلال ساعات معدودات، نتيجة حساسية السوق المفرطة لأي تغيّر في معنويات المستثمرين أو الأخبار التنظيمية أو حتى تحركات السيولة في الأسواق العالمية. هذا المستوى العالي من التذبذب (Volatility) يجعل البيتكوين أصلًا ذا مخاطر مرتفعة لا يناسب جميع أنواع المستثمرين، ولاسيما منهم أولئك الذين يسعون إلى استقرار العائد. كما أن غياب التدخلات المركزية والجهات الرقابية التقليدية يزيد من احتمال حدوث تحركات حادة بفعل سيولة محدودة في فترات معينة أو تدفقات كبيرة من المحافظ الآلية. لذلك، رغم الجاذبية المتزايدة للبيتكوين كأصل تحوطي واستراتيجي، إلا أن إدارة المخاطر تبقى عاملاً أساسياً، يتطلب الاستثمار فيه فهماً عميقاً لديناميكية السوق واستعداداً لتقبّل فترات من التقلبات القاسية قبل أي استقرار أو موجة صعود جديدة.
Uptober (وكالات)
بهذا التوسّع، تظلّ أكتوبر 2025 نسخةً قوية من "Uptober" لكن مع نضجٍ مؤسسي أوضح وسردية ماكرو أكثر تركيباً: سياسة نقدية مرشّحة للتيسير، مخاطر مالية قائمة، تبنٍّ مؤسسي متسارع، وارتباط غير ثابت مع الذهب يرتفع ويهبط بحسب "قصة السوق" الراهنة، وهي قصةٌ تُعيد تعريف البيتكوين كأصل استراتيجي لا يغني عن الذهب… لكنه بالتأكيد يكمله.
في اتصال لـ"النهار" مع وكيل هذه العائلات المحامي محمد حبلص أكد أن ملف هذه العائلات يحظى بمتابعة من الوزير الحجار واللواء شقير "على عكس التجارب السابقة مع مسؤولين آخرين"