موازنة السعودية 2026... إيرادات قياسية وإنفاق توسعي لترسيخ النمو وتنويع الاقتصاد

تواصل المملكة العربية السعودية ترسيخ مسارها الاقتصادي التحولي بخطوات واثقة، إذ كشفت وزارة المالية عن البيان التمهيدي لموازنة عام 2026، مقدرة حجم الإنفاق بنحو 1.31 تريليون ريال (349 مليار دولار) مقابل إيرادات مقدرة بنحو 1.14 تريليون ريال (304 مليارات دولار).
وتستند هذه التوجهات إلى مسار إصلاحي شامل أطلقته المملكة تحت عنوان رؤية 2030، يهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز مصادر الدخل المستدامة.
وتشير توقعات وزارة المالية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4.4% في عام 2025، على أن يتسارع النمو إلى 4.6% في عام 2026، بدعم من النشاطات غير النفطية التي تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الجديد، كما رجحت الوزارة أن تصل الإيرادات بحلول عام 2028 إلى نحو 1.294 تريليون ريال، مقابل نفقات تقدر بـ 1.419 تريليون ريال، والأهم أن التقديرات تشير إلى تجاوز حجم الاقتصاد السعودي للمرة الأولى حاجز خمسة تريليونات ريال عام 2027، ليبلغ 5.26 تريليونات ريال.
ويُتوقع أن يستمر تسجيل عجز في الموازنة على المدى المتوسط عند مستويات أقل من النسبة المقدرة لعام 2026، بفعل السياسات التوسعية التحولية التي تتيح استمرار المشاريع والمبادرات ذات العوائد الاقتصادية والاجتماعية، مع الحفاظ في الوقت ذاته على متطلبات الاستدامة المالية، كما تخطط الحكومة لمواصلة الاعتماد على أدوات التمويل المحلية والدولية، عبر إصدار السندات والصكوك والاقتراض المباشر، مع التوسع في أدوات التمويل البديلة مثل تمويل البنى التحتية عبر وكالات ائتمان الصادرات خلال 2026 والمدى المتوسط.
قوة المركز المالي
ويؤكد وزير المالية السعودي محمد بن عبدالله الجدعان أن موازنة 2026 تستهدف ترسيخ قوة المركز المالي للمملكة وضمان استدامة المالية العامة، بالتوازي مع دعم النمو الاقتصادي.
ويضيف أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي لا تزال عند مستويات آمنة ومنخفضة مقارنة باقتصاديات عدة، وهو ما يتيح مرونة أكبر للتدخل عند مواجهة الصدمات أو الأزمات.
ويرى أن حالة عدم اليقين العالمي تستوجب مراقبة دقيقة للأخطار الاقتصادية وتوجيه السياسات بشكل استباقي لمواجهة التحديات المحتملة، مشيراً إلى أن الحكومة ستمضي قدماً في المشاريع التنموية وتنفيذ الاستراتيجيات الوطنية، بما يحفز دور القطاع الخاص ويعزز كفاءة الإنفاق على المدى المتوسط والطويل.
نمو متوقع
وتكتسب هذه التوقعات زخماً إضافياً بعدما رفع صندوق النقد الدولي في حزيران/يونيو الماضي تقديراته لنمو الناتج المحلي الإجمالي في السعودية لعام 2025، مدفوعاً بالطلب على المشاريع الحكومية ودعم من خطة تحالف أوبك+ للإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط.
رؤية 2030
وفي تعليق إلى "النهار"، يرى الخبير الاقتصادي أنور القاسم أن الموازنة الجديدة تؤكد تبني الحكومة سياسات إنفاق توسعية تدفع نحو تعزيز التطور الاقتصادي والاجتماعي وتحقيق مستهدفات رؤية 2030، بخاصة ما يتعلق بتنويع القاعدة الاقتصادية.
ويقول إن دورة النمو المقبلة، المدفوعة بزيادة النشاطات غير النفطية، تضع هدفاً طموحاً يتمثل في تحقيق نمو بنسبة 4.6% عام 2026، وهو امتداد لنمو متوقع عند 4.4% في 2025.
ويلاحظ أن هذه المؤشرات تدعم إمكان تجاوز الاقتصاد السعودي حاجز الخمسة تريليونات ريال في 2027، خصوصاً في ظل تحسن الاستهلاك المحلي وتزايد الاستثمار الخاص، لافتاً إلى أن تقديرات وزارة المالية تفوقت على توقعات صندوق النقد الدولي لعامي 2025 و2026.
ويرى القاسم أن هذه التطورات تعكس الأثر المباشر للإنفاق الحكومي الضخم ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، إلى جانب الدور المحوري للقطاع الخاص في قيادة النمو وخلق الوظائف، كما أن استمرار تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية يعزز فرص المملكة في تحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الشاملة والاستدامة المالية، لترسيخ مكانتها كأحد أكبر الاقتصادات في العالم.