"سناب باك" يُعيد إيران إلى الوراء: ضغوط دولية واقتصاد على حافة الانهيار

بعد عشر سنوات من تعليق العقوبات الأممية على إيران، عاد مجلس الأمن الدولي ليطلق أقسى أدوات الضغط التي يمتلكها، وهي آلية "سناب باك". هذه الآلية تعني إعادة فرض العقوبات السابقة بشكل أوتوماتيكي وفوري، من دون الحاجة إلى إصدار قرار جديد أو المرور بمداولات مطولة، وهو ما يجعلها أداة شديدة الفاعلية في الصراع الديبلوماسي والاقتصادي.
بموجب هذا التفعيل، تجد طهران نفسها مجدّداً في مواجهة تجميد أصولها المالية في الخارج، ووقف صفقات الأسلحة، وتقييد قطاعي النفط والمصارف، وهي قطاعات تشكل العصب الأساسي للاقتصاد الإيراني. والنتيجة جاءت مباشرة وسريعة، إذ انهارت العملة المحليّة إلى مستوى غير مسبوق بلغ 1.12 مليون ريال مقابل الدولار، في مؤشر على حالة الصدمة التي أحدثها القرار.
الأرقام التي تكشفها تقارير الخبراء والمنظمات الدولية تعكس بدقة حجم التحديات التي تواجهها إيران اليوم. فمنذ عام 1979 وحتى الآن، تراكمت ضدها ما يقارب الـ 5475 عقوبة، فيما تكبّدت بين عامي 2011 و2023 خسائر اقتصادية تجاوزت الـ 1.2 تريليون دولار، إلى جانب ما يقرب من 100 مليار دولار من الأرصدة المجمّدة لدى الغرب. هذه الأرقام لا تبقى في دائرة الاقتصاد الكليّ فحسب، بل تنعكس بعمق على المجتمع الإيراني: أكثر من 28 مليون مواطن يعيشون تحت خط الفقر، و22 مليوناً آخرين يواجهون البطالة، ما يجعل الضغوط المعيشية خانقة ويهدد استقرار الداخل.
في هذا السياق، يوضح الباحث الاقتصادي والسياسي الدكتور محمد موسى في حديث إلى "النهار" أن آلية "سناب باك" ليست مجرد خطوة رمزية كما يحاول بعض المسؤولين الإيرانيين تصويرها، بل هي لحظة مفصلية قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة. يقول موسى إن "إيران وإن كانت قد تكيفت مع العقوبات لعقود طويلة منذ عام 1979، إلا أن الوضع الحالي يحمل أبعاداً مختلفة، لأننا أمام مشهد يضم تجميداً للأصول وصعوبات في تصدير النفط والبتروكيماويات، وارتفاعاً في تكاليف التأمين على السفن، فضلاً عن تضخم متسارع سيقضم القدرة الشرائية للمواطنين، خصوصاً موظفي الدولة". ويرى أن هذا الانهيار الاقتصادي سيتحول حتماً إلى أزمة اجتماعية ترفع معدلات البطالة وتدفع الشباب نحو خيارات صعبة، تبدأ بالهجرة ولا تنتهي عند الاحتجاجات الداخلية.
ويضيف موسى أن التداعيات قد تمتد إلى قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة نتيجة غياب المواد الأولية والأسمدة وانقطاع سلاسل التوريد، الأمر الذي سيعمّق أزمة الأمن الغذائي ويزيد من أسعار السلع الأساسية. وبهذا المعنى، فإن العقوبات الجديدة ليست مجرد أداة ضغط خارجية، بل هي عامل تفجير داخلي يضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية في آن واحد.
أمام هذا الواقع، تبدو الخيارات المتاحة أمام طهران محدودة. السيناريو الأول أن تتمكن بخبرتها الطويلة من الالتفاف على العقوبات عبر تعزيز تعاونها مع روسيا والصين، ما قد يخفف من حدتها. أما السيناريو الثاني، وهو الأخطر، فيتمثل بتصعيد ديبلوماسي أو حتى عسكري يقود المنطقة إلى مواجهات لا تُحمد عقباها. وهناك أيضاً سيناريو ثالث أكثر واقعية، وهو ما يسميه موسى "سياسة الموت البطيء"، أي أن تستمر العقوبات في إنهاك الاقتصاد تدريجياً، فيما ترد إيران بتصعيد برنامجها النووي والصاروخي والانسحاب من بعض المعاهدات الدولية، وهو مسار يطيل أمد الأزمة ويجعلها أكثر تعقيداً.
خلاصة المشهد أن إعادة تفعيل آلية "سناب باك" أعادت إيران إلى نقطة الصفر، لتجد نفسها في مواجهة ضغوط دولية قصوى تعيدها سنوات إلى الوراء. وبينما تسعى طهران لإظهار قدرتها على الصمود والالتفاف على الحصار، يبقى الشعب الإيراني هو الحلقة الأضعف، إذ يتآكل دخله وتتراجع قدرته الشرائية وتتسع الهوة الاجتماعية يوماً بعد يوم. وإذا لم تجد إيران مخرجاً سياسياً أو اقتصادياً يخفف من وطأة هذه العقوبات، فإن المرحلة المقبلة قد تحمل انعكاسات داخلية أعمق بكثير من مجرد خسائر مالية.