دراما الإغلاق الحكومي تعود... هل يتكرر سيناريو 2013 مع الذهب والوظائف الأميركية؟

مع اقتراب نهاية السنة المالية في الولايات المتحدة في 30 أيلول/سبتمبر، يعود شبح الإغلاق الحكومي ليخيّم على واشنطن من جديد، مهدّداً بوقف عمل عشرات الوكالات الفيديرالية وتعطيل إصدار البيانات الاقتصادية الحيوية. فشل الكونغرس والرئيس في التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة، أو تمرير قانون إنفاق قصير الأجل، يعني ببساطة بدء ما يُعرف بالإغلاق الحكومي، إذ تتوقف المؤسسات غير الأساسية عن العمل لغياب التمويل، بينما تستمر الخدمات الحيوية مثل الجيش، الأمن القومي، مراقبة الطيران والضمان الاجتماعي.
لكن الأثر الأبرز لهذا الإغلاق لا يقتصر على تعطيل بعض الخدمات العامة، بل يمتد إلى قلب النظام المالي العالمي، عبر تأجيل صدور تقارير اقتصادية أساسية أو إلغائها، وعلى رأسها تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP)، المنتظر صدوره يوم الجمعة 3 تشرين الأول/أكتوبر، والذي يعدّ من أهم المؤشرات التي يراقبها المستثمرون وصنّاع السياسات النقدية لتحديد اتجاه الدولار، أسعار الفائدة، وحتى أسواق السلع...
تجارب الإغلاق من 2013 إلى 2019...
تاريخيًا، أثبتت الإغلاقات الحكومية أنها قادرة على قلب المعادلة. ففي إغلاق 2013 (1–16 تشرين الأول/أكتوبر)، تم تأجيل صدور تقرير الوظائف عن أيلول/سبتمبر، الذي كان مقرراً في 4 تشرين الأول، ليصدر فقط في 22 منه بعد إعادة فتح الحكومة. هذا التأجيل أدخل الأسواق في حالة من الضبابية وزاد من تقلباتها.
أما في الإغلاق الأطول في تاريخ الولايات المتحدة (2018–2019)، والذي استمر 35 يوماً، خلال عهد الرئيس دونالد ترامب الأول، فقد صدر تقرير الوظائف في موعده بفضل تمويل موقت لوزارة العمل، بينما تعطلت بيانات اقتصادية أخرى مهمة مثل الناتج المحلي الإجمالي. واليوم، مع تعمّق الانقسامات الحزبية بين الديموقراطيين والجمهوريين، قد يتكرر سيناريو التأجيل مرة أخرى، ما يترك المستثمرين أمام فراغ معلوماتي يربك توقعاتهم ويزيد من مستويات التوتر في الأسواق.
الذهب والتاريخ.. هل يعيد نفسه؟
من يتتبع حركة الذهب في تلك الفترات يدرك أن المعدن النفيس غالباً ما يخرج رابحاً من مثل هذه الفوضى السياسية والمالية. ففي إغلاق 2013، بدأ الذهب قرب 1,328 دولاراً للأونصة في 30 أيلول، ليتراجع إلى 1,273 دولاراً في 11 تشرين الأول، قبل أن يقفز مجدداً إلى 1,340 دولاراً مع إعادة فتح الحكومة وصدور تقرير الوظائف المؤجل.
اليوم، يبدو المشهد مشابهاً بشكل لافت: توقعات بتباطؤ نمو الوظائف (51 ألف وظيفة فقط لشهر آب/أغسطس)، استمرار الجمود السياسي، واحتمال تثبيت معدلات البطالة. كلّ هذه العوامل تعزز الاعتقاد بأن التضخم يسير بوتيرة مستقرة، وأن الفيديرالي قد يجد نفسه مضطراً إلى خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان متوقّعاً.
هذا الوضع يضع الذهب في موقع قوة، مع احتمال كسر مستويات 3,850 دولاراً للأونصة، وإن كانت تصحيحات قصيرة المدى بحدود الـ 45 إلى 70 دولاراً تبقى واردة قبل الانطلاق نحو مستويات قياسية جديدة.
ولكن من منظوري، من غير الواقعي افتراض أن سوق العمل ستنمو بوتيرة محدودة، بينما تعصف السياسة بالاقتصاد. التجارب السابقة تثبت أن الإغلاق الحكومي لا يمر مرور الكرام، بل يعيد تشكيل توقعات الأسواق والفيديرالي معاً. وبينما ترتفع أصوات الجدل في واشنطن، يظل الذهب هو اللاعب الأكثر هدوءاً وثباتاً على المدى الطويل. فهل سيعيد التاريخ نفسه كما حصل في عام 2013؟
ربما نعم. تذبذبات سعرية أولاً، ثم موجة صعود قوية مع صدور تقرير الوظائف وانتهاء الأزمة. الذهب يبدو مهيّأً لتكرار السيناريو ومعه الفضة أيضاً مرشحة لتلمع من جديد في الأفق البعيد...
**محللة أسواق مالية تعمل في شركة ACY Securities Mena