حرب غزة تخلّ بموازين الاقتصادات

اقتصاد وأعمال 03-10-2025 | 06:12

حرب غزة تخلّ بموازين الاقتصادات

أصبح الصراع الإقليمي عاملاً مفاقماً للتباطؤ الاقتصادي العالمي وتهديداً لاستقرار التجارة البحرية الدولية. 
حرب غزة تخلّ بموازين الاقتصادات
فلسطيني على باب ثلاجة يستخدمه قارباً ليرمي سلة صيد في البحر بميناء غزة (أ ف ب)
Smaller Bigger

منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تكن حرب غزة مجرد صراع عسكري، بل ضربة اقتصادية عميقة تطاول أقوى الاقتصادات في المنطقة وأضعفها، وتلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي. الأرقام التي تصدر عن البنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومؤسسات مالية دولية أخرى، تؤكد أن آثارها واسعة، تصيب معدلات النمو، والموازين المالية، وسلاسل التوريد العالمية.

في فلسطين، تفوق الأضرار التوقعات كلها: تراجع الاقتصاد الفلسطيني 27% في 2024، إذ شهدت غزة وحدها انكماشاً بنسبة 83% تقريباً. في الضفة الغربية، ساهمت القيود على الحركة وفقدان فرص العمل داخل إسرائيل بتراجع نحو 17% في الناتج. وتُقدَّر تكاليف الإعمار والتعافي في القطاع والضفة بأكثر من 53 مليار دولار، أي ما يزيد على ضعف الناتج السنوي المسجل قبل الصراع. وفي منتصف 2025، انفجرت الأسعار في غزة، إذ ارتفعت تكاليف الغذاء بين 300 و450% وتوقف معظم القطاعات الإنتاجية عن العمل، ما يجعل التعافي بعيد المدى، يستغرق عقوداً من الزمن.

أما إسرائيل، وعلى الرغم من امتلاكها مؤسسات اقتصادية أقوى، فلم تسلم من الصدمة. في 2024، خصصت الحكومة نحو 31 مليار دولار للإنفاق العسكري، ما رفع عجز الميزانية إلى نحو 7% من الناتج المحلي. ويبقي المصرف المركزي معدل الفائدة عند 4.5% في ظل الضبابية الجيوسياسية. وتأتي أبرز النتائج تباطؤاً في النمو، وتراجعاً في الاستثمارات، وارتفاعاً في تكلفة الاقتراض الحكومي. وتتعرّض التصنيفات الائتمانية إلى تخفيضات، في وقت يعاني فيه القطاع التقني من ضغوط هجرة العقول وتراجع الثقة. ومع أن القطاع يبقى نقطة قوة نسبية، تظل استدامة النمو مرهونة بانحسار النزاع.

 

قناة السويس (أ ف ب)
قناة السويس (أ ف ب)

 

أحد أكبر الهزات الاقتصادية يصيب مصر عبر قناة السويس. في أوائل 2024، انخفض عدد السفن المارة بنسبة تقارب 60% بسبب الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، وتراجعت إيرادات القناة في 2024 ككل إلى 4 مليارات دولار فقط مقارنة بـ10 مليارات في 2023، أي بنسبة 65%. أما الخسائر الشهرية فتبلغ أحياناً نحو 800 مليون دولار. إلى جانب ذلك، تتأثر السياحة والاستثمار الأجنبي، ما يزيد الطلب على العملات الأجنبية ويفاقم عجز الحساب الجاري. وتجد مصر، التي تعتمد بشدة على القناة كمصدر للعملة الصعبة، نفسها في مواجهة فجوة تمويلية غير مسبوقة.

انفجرت الأسعار في غزة، إذ ارتفعت تكاليف الغذاء بين 300 و450%، وتوقف معظم القطاعات الإنتاجية عن العمل

أما لبنان، الذي يُعاني أصلاً من أزمات سياسية واقتصادية حادة، فيواجه عاصفة جديدة. تسببت الحرب على الحدود الجنوبية في خسائر مباشرة بلغت 8,5 مليارات دولار، وانخفضت العمالة في القطاع الخاص بنسبة 25%، وأغلقت 15% من الشركات أبوابها نهائياً. وخسر القطاع الزراعي أكثر من مليار دولار، وتعطلت دراسة نحو نصف مليون طالب وطالبة. هذه الصدمة وتأخر التمويل الخارجي لإعادة الإعمار في ظل الخلاف على حصرية السلاح بيد الحكومة تضاعفان أزمة الديون المزمنة، وتسرّعان مسار التدهور الاقتصادي والاجتماعي.

يتلقى الأردن ضربة عبر السياحة، إذ تنخفض نسبة الإشغال في الفنادق السياحية الكبرى مثل تلك القائمة في البتراء إلى أقل من 10% في بعض الفترات. ورغم الدعم المتوفر من إنفاق الزوار الخليجيين واستمرار برامج التمويل من صندوق النقد الدولي، تهدد هشاشة القطاع السياحي توازن الحساب الجاري وتشكل عبئاً على النمو.

 

دمار في إحدى قرى جنوب لبنان (أ ف ب)
دمار في إحدى قرى جنوب لبنان (أ ف ب)

 

لم يقتصر الأثر على دول المنطقة فقط. أصبح البحر الأحمر مسرحاً لهجمات متكررة على السفن التجارية، ما يجبر عشرات شركات الشحن العالمية على إعادة توجيه مساراتها عبر رأس الرجاء الصالح. هذه التحويلات تضيف بين 10 و15 يوماً إلى زمن الشحن، وترفع تكاليف النقل والتأمين بنسبة تتجاوز 300% في بعض الحالات. والنتيجة ضغوط إضافية على معدلات التضخم العالمية تتواصل منذ بدء الحرب، خصوصاً في أوروبا، وتعطل سلاسل إمداد السلع الأساسية مثل الطاقة والحبوب. 

وهكذا، أصبح الصراع الإقليمي عاملاً مفاقماً للتباطؤ الاقتصادي العالمي وتهديداً لاستقرار التجارة البحرية الدولية. وتكشف حرب غزة هشاشة الاقتصادات حتى القوية منها، وتبيّن كيف يمكن صراعٌ محلي أن يضرب قناة عالمية، وقواعد التصنيف الائتماني، وإمكانيات النمو الإقليمي والعالمي. وكلما طال الصراع، تكبر التكلفة وتتعرقل مسارات التعافي، في حين تبقى استعادة الزخم الاقتصادي الإقليمي والعالمي رهن تسويات سياسية لا تزال بعيدة المنال.

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت
لبنان 10/7/2025 1:51:00 PM
في اتصال لـ"النهار" مع وكيل هذه العائلات المحامي محمد حبلص أكد أن ملف هذه العائلات يحظى بمتابعة من الوزير الحجار واللواء شقير "على عكس التجارب السابقة مع مسؤولين آخرين"