الذهب مقابل الأسهم: أيهما الاستثمار الأذكى؟

منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي، يُعتبر كل من مؤشر S&P 500 والذهب من أبرز الأصول التي تستقطب اهتمام المستثمرين حول العالم. وعلى رغم اختلاف طبيعتهما، يشكل كلّ منهما عنصراً أساسياً في المحافظ الاستثمارية المتوازنة، حيث يقدّمان خصائص متباينة في العائد والمخاطر والدور الاقتصادي.
تُعدّ الأسهم المدرجة ضمن مؤشر S&P 500 أداة فعالة لبناء الثروة على المدى البعيد، إذ تحقق عوائد مجزية، خصوصاً عند إعادة استثمار التوزيعات النقدية. ومع ذلك، فإنها تتسم بتقلّبات نسبية في فترات معينة، ما يجعلها أكثر حساسية على التغيرات الدورية والاقتصادية.
في المقابل، يُعتبر الذهب أصلاً دفاعياً يُستخدم بشكل تقليدي كملاذ آمن، ولا سيما في أوقات التضخم أو الأزمات الجيوسياسية. ورغم أنه لا يُنتج دخلاً دورياً مثل الأسهم ولا يوزع أرباحاً، فإن قيمته ترتفع في أغلب الأحيان، في فترات عدم الاستقرار، ما يجعله أداة تحوّط فعالة.
في عام 1980، بلغ الذهب ذروته التاريخية آنذاك عند مستوى 850 دولاراً للأونصة، مدفوعاً بموجة تضخمية حادة وتوترات سياسية عالمية. ثم دخل في مرحلة ركود طويلة استمرّت خلال الثمانينيات والتسعينيات، تزامناً مع سياسات نقدية مشدّدة وانخفاض تدريجي في معدلات التضخم.
بدءًا من عام 2000 وحتى 2011، عاد الذهب إلى الارتفاع بقوة، مدعوماً بالأزمات الاقتصادية العالمية، ليتجاوز حاجز الـ 1900 دولار. وبين عامي 2012 و2018، شهد استقراراً نسبياً، قبل أن يبدأ موجة صعود جديدة بين عامي 2020 و2024، متجاوزاً مستوى الـ 2400 دولار في ظل جائحة كورونا وارتفاع معدلات التضخم وتصاعد التوترات الجيوسياسية. وفي العام الحالي، وصل الذهب إلى مستويات قياسية جديدة تجاوز فيها الـ 3800 دولار للأونصة، مدفوعاً بجملة من العوامل، منها ضعف الدولار الأميركي، وزيادة مشتريات البنوك المركزية، إضافة إلى التوجه نحو خفض أسعار الفائدة، وعلى رأسها قرارات مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي.
في الوقت نفسه، شهد مؤشر S&P 500 نمواً تدريجياً وملحوظاً عبر العقود، مدفوعاً بعوامل متعددة، أبرزها نمو أرباح الشركات، والتقدم التكنولوجي، والعولمة. وكانت التوزيعات النقدية أحد أبرز العوامل التي ساهمت في تعظيم عوائد المستثمرين، خصوصاً عند إعادة استثمارها.
على مستوى الأرقام، كان المؤشر يتداول في حدود الـ 110 نقاط في عام 1980، ثم ارتفع إلى نحو 1,400 نقطة بحلول عام 2000. وفي عام 2010، شهد بعض التراجع ليستقر عند نحو 1250 نقطة، قبل أن يستأنف صعوده ليبلغ نحو 3700 نقطة في عام 2020. ومع نهاية عام 2024، وصل إلى ما يقارب الـ 5,400 نقطة، ثم تجاوز حالياً حاجز الـ 6,600 نقطة، ما يعكس الأداء القوي لسوق الأسهم الأميركية، علمًا بأن هذه الأرقام تمثل الأداء السعريّ فقط، من دون احتساب التوزيعات النقدية التي، عند استثمارها مجدداً، تضاعف من العائد الإجمالي بشكل كبير.
ولتوضيح الفارق، لو أن مستثمراً قام بضخ 1,000 دولار في الذهب عام 1980 عندما كان سعر الأونصة نحو 850 دولاراً، فإن قيمة هذا الاستثمار اليوم ستكون بحدود الـ 4,500 دولار، أي بمعدل نمو يتجاوز الـ 450%، على مدى 45 عاماً، ولكن دون أي دخل سنوي أو توزيعات.
في المقابل، لو تم استثمار المبلغ نفسه في مؤشر S&P 500، مع إعادة استثمار التوزيعات على مدى الفترة نفسها، فإن قيمة الاستثمار كانت ستتجاوز اليوم الـ 160,000 دولار. ويرجع هذا الفارق الضخم في الأداء إلى قوة التراكم الناتجة من التوزيعات المنتظمة ونمو الشركات المدرجة في المؤشر.
ومع أن الأداء التاريخي يميل بوضوح لمصلحة الأسهم على المدى الطويل، فإن الذهب يظل متفوقاً في ظروف اقتصادية معينة، من أبرزها فترات التضخم المرتفع، أو حين تكون أسعار الفائدة الحقيقية سلبية. كذلك يتفوق في أوقات عدم الاستقرار الجيوسياسي، والانكماش الاقتصادي، أو تراجع قيمة العملة. وتشير الدراسات إلى أن الذهب حقق أداءً أفضل من الأسهم في 8 من أصل 9 سنوات شهد فيها مؤشر S&P 500 تراجعاً.
إن الأسهم تظلّ الخيار الأفضل لبناء الثروة في المدى الطويل، لما توفره من عوائد مركّبة تدعمها توزيعات الأرباح ونمو أرباح الشركات. أما الذهب، فرغم كونه لا يحقق مستويات النمو نفسها، فإنه يؤدّي دوراً بالغ الأهمية كأداة تحوّط واستقرار خلال فترات التقلب.
ولهذا السبب، فإن الجمع بين الذهب والأسهم ضمن محفظة استثمارية متوازنة يُعدّ استراتيجية مثلى لإدارة الأخطار وتعزيز العائد المعدّل بحسب الأخطار. ولا يمكن إغفال أهمية احتساب الأداء "بعد التضخم"، إذ إن الذهب يحافظ على القيمة الشرائية، بينما تملك الأسهم القدرة على خلق قيمة حقيقية وتحقيق نمو فعليّ في الثروة.
على مدار أكثر من أربعة عقود، أثبت كل من الذهب ومؤشر S&P 500 أهميته في السياق المالي العالمي، كلٌ بحسب وظيفته. فالذهب يمثل خط الدفاع الأول ضد الأزمات والتضخم، في حين تمثل الأسهم المحرك الأساسي لنمو رأس المال وبناء الثروة المستدامة.
إن النجاح في الاستثمار لا يكمن فقط في اختيار الأصل الذي يحقق أعلى عائد، بل في فهم دور كل أصل داخل المحفظة وتنويع الأصول بشكل استراتيجي يوازن بين الأخطار والفرص.
*جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية - Cedra Markets