الحلقة الأقوى

من أي زاوية نظرنا إلى الاقتصاد العالمي، سنجده ضعيفاً بسبب تعرّضه لسلسلة متتالية من الصدمات ما شهدنا مثيلاً لها ماضياً. وقد أوصلتنا هذه الصدمات سريعاً إلى حالةٍ مزريةٍ من عدم اليقين، بلغت قمتها في بدايات العام الحالي. اليوم، بدأت الصورة تنجلي قليلاً، من دون المغالاة في التفاؤل، وهذا سمح للمؤسسات الاقتصادية والدول بالتأقلم تدريجاً مع واقع اقتصادي مستجد.
في تقرير استشرافي أصدره المنتدى الاقتصادي العالمي، يرجح 72% من خبراء الاقتصاد في المنتدى أن يكون الاقتصاد العالمي في 2026 أضعف مما هو الآن، في ظل مرور معظم قطاعاته الاقتصادية الرئيسية باضطرابات تبدو طويلة الأمد. وبحسبهم، هذه الصورة القاتمة قليلاً تعكس اقتصاداً عالمياً في طور من التحوّل العميق، وربما يزداد تشتته الجيو-اقتصادي في العام المقبل بحسب ما يتوقع 80% من هؤلاء الاقتصاديين، وأن تكون النزاعات التجارية هي السبب.
لكن هذا لا يعني أن لا نمو في بعض مناطق العالم!
يتوقع 37% من هؤلاء الاقتصاديين أنفسهم نمواً قوياً، أو قوياً جداً، في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، حتى أنهم يسمونها "الأقوى أداءً". ويضيفون أن الأسواق الناشئة ستكون المحرك الأول للنمو؛ لذا يتنبأ ثلثهم بنمو كبير في ثلاث مناطق جيو-اقتصادية: الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، وجنوبي آسيا وشرقيها، ومنطقة المحيط الهادئ. ويؤكد 68% منهم أن نمو الصين سيتراوح ما بين المقبول والقوي، فيما هناك نظرة "شديدة الحذر" تجاه الولايات المتحدة وأوروبا.
وبحسب صندوق النقد الدولي، ستكون دول الخليج العربي قاطرة النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، أو كما يسمّيها "الحلقة الأقوى" في هذه السلسلة الطويلة من الاقتصادات، متوقعاً نمواً بنسبة 5,6% في قطر، و5% في الإمارات، و3,7% في السعودية، و3,6% في عُمان... لنصل إلى نمو بنسبة 3,4% في كل الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، إضافة إلى نمو بنسبة 3,1% في البلدان المصدرة للنفط.
على جبهة الذكاء الاصطناعي، ترجح أغلبية هؤلاء الاقتصاديين أن يكون "سبباً" لارتباك الأسواق في السنة المقبلة. وهذا ممكن. فحتى الآن، لا يملك أحدٌ الإدراك الفعليّ لتأثيره في الاقتصاد العالمي، كما يبدو تأثيره في الإنتاجية محدوداً نسبياً.
لكنها مسألة وقت لا أكثر... فالعالم يجافي تدريجاً نظاماً تقليدياً درج عليه الجميع، ونحتاج إلى الوقت والجهد والصبر كي ندرك تماماً شكل النظام الجديد؛ وعلى العالم الاستفادة من هذه الفترة الانتقالية، لأنها باب مفتوح على الكثير من الفرص، والجميع مطالبٌ بتغيير طريقة التفكير في كلّ شيء، والتأقلم مع واقع غيّر كل شيء.
على الاقتصادات نفسها أن تعمل ما بوسعها لتُحسن الاستفادة من هذا الذكاء الاصطناعي. ففي الاقتصادات المتقدّمة، يتمحور المشهد كلّه حول التقنية الحديثة والمهارات والمواهب. ومع توقع 56% من اقتصاديي المنتدى اتّساع الفجوة أكثر بين الاقتصادات المتقدمة والاقتصادات النامية في السنوات القليلة المقبلة، على هذه الاقتصادات النامية التخفيف من رفد المال لتنمية رأس المال البشري وحده، والاتكال الفعلي على تبني التقنية واقتصاد الابتكار، بتنمية المهارات الفردية والجماعية المتوافقة مع التطور الرقمي، فهما يكوّنان المحرك الأقوى للنمو.