اقتصاد وأعمال 23-09-2025 | 11:55

البقاع الشمالي... الاستثمار في إدارة الموارد يُحول تحديات التغير المناخي فرصاً زراعية أكثر استدامة

التغيرات المناخية التي لم تعد مجرد ظاهرة بيئية، بل أصبحت تحدياً مباشراً لاستقرار المجتمعات المحلية...
البقاع الشمالي... الاستثمار في إدارة الموارد يُحول تحديات التغير المناخي فرصاً زراعية أكثر استدامة
الري بالتنقيط من الممارسات المستدامة. (لينا إسماعيل)
Smaller Bigger

يواجه الأمن الغذائي في البقاع اللبناني تحديات متزايدة بسبب التغيرات المناخية التي لم تعد مجرد ظاهرة بيئية، بل أصبحت تحدياً مباشراً لاستقرار المجتمعات المحلية. من خلال تحليل العلاقة بين التغير المناخي والأمن الغذائي، تظهر سلسلة من الآثار المتشابكة التي تؤثر على إنتاج المحاصيل، جودتها، وتوافرها في السوق المحلية، مما يضع مستقبل الزراعة في لبنان على المحك.

تأثيرات التغير المناخي على الأمن الغذائي 

الري التقليدي يواجه شح المياه. (لينا إسماعيل)
الري التقليدي يواجه شح المياه. (لينا إسماعيل)

 

 

تتعدد قنوات تأثير التغير المناخي على الأمن الغذائي، أبرزها:
تراجع الإنتاجية وتقلب الأسعار: يؤدي التغير في أنماط هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة إلى تقلبات كبيرة في الإنتاج الزراعي. على سبيل المثال، أن المعدل السنوي الطبيعي للأمطار في البقاع يراوح بين 600 و625 ملم، بينما لم يتجاوز هذا العام 230 ملم فقط، أي ما يقارب 35% دون المعدل المعتاد. في حين ارتفعت درجات الحرارة حوالى 1.5 درجة مئوية منذ عام 1970. 

 

هذه التغيرات، أدت إلى تراجع إنتاج القمح وارتفاع أسعار الخضر الأساسية مثل البطاطا والبندورة. وهذا التقلب المستمر يجعل الوصول إلى الغذاء أمراً غير مضمون للعديد من الأسر، بحيث أن واحداً من كل خمسة أشخاص في لبنان – أي نحو 1.17 مليون شخص– يعاني من انعدام حاد أو طارئ في الأمن الغذائي خلال الفترة الممتدة من نيسان إلى حزيران، بحسب برنامج الغذاء العالمي.

 

الجفاف وشح المياه: يمثل الجفاف تحدياً رئيسياً، فهو يؤثر مباشرة على البنية التحتية الزراعية الأساسية، وهي المياه.

 

 

منتجات مرتفعة الأكلاف,
منتجات مرتفعة الأكلاف,

 

وتشير التقديرات إلى أن نصيب الفرد من المياه العذبة في لبنان أصبح أقل من 500 متر مكعب، أي ما دون نصف خط الفقر المائي المحدد بنحو 1000 متر مكعب سنوياً. يعتمد اكثر من ثلثي المزارعين على ضخ المياه الجوفية، مما أدى إلى انخفاض مستوياتها. وشح المياه يجعل بعض الأراضي غير صالحة للزراعة، ويؤثر على كفاءة أنظمة الري، مما يدفع المزارعين إلى استنزاف المياه الجوفية، وهو ما يهدد استدامة الإنتاج على المدى الطويل.

 

هل نواجه جفافاً مستداماً؟
هل نواجه جفافاً مستداماً؟

 

تدهور جودة المحاصيل: لا يقتصر تأثير التغير المناخي على الكمية فحسب، بل يمتد إلى جودة المحاصيل. فارتفاع الحرارة يقلل من المحتوى الغذائي للحبوب والخضر، مثل البروتينات والسكريات، ويجعلها أكثر عرضة للتلف السريع بعد الحصاد، مما يزيد من إهدار الغذاء (الذي يقدّر في لبنان بحوالى ثلث الغذاء الذي ننتجه)، ويقلل من القيمة الاقتصادية للمنتج.

 

تزايد الآفات والأمراض: ارتفاع درجات الحرارة يساهم في ظهور آفات وأمراض زراعية جديدة، مما يلحق أضراراً إضافية بالمحاصيل ويقلل من إنتاجيتها. على سبيل المثال، ارتفعت إصابات الذبابة البيضاء والمن حوالى الضعف بين 2010 و2020، مما ألحق خسائر إضافية بالمزارعين وخفّض الإنتاجية في بعض المحاصيل الصيفية.

 

الإرتفاع في درجات الحرارة يتسبب بازدياد الآفات الزراعية.
الإرتفاع في درجات الحرارة يتسبب بازدياد الآفات الزراعية.

 

دور المزارعين والاعتماد على الاستيراد
في مواجهة هذه التحديات، يجد المزارعون أنفسهم أمام خيارات صعبة. فمع تراجع الإنتاجية وعدم استقرار السوق، قد يتخلى البعض عن الزراعة كلياً، أو يتجه نحو محاصيل أقل عرضة للمخاطر المناخية، إذ تشير التقديرات إلى أن اعداد المزارعين في البقاع الذي تخلوا عن الزراعة زادت بشكل كبير بين 2019 و2023 بسبب أكلاف الإنتاج العالية وتقلب المناخ، مما يؤثر على التنوع الغذائي المحلي. 

 

هذا التراجع في الإنتاج المحلي يزيد من الاعتماد على الاستيراد، وهو ما يجعل الأمن الغذائي في لبنان عرضة للمخاطر الخارجية، كما حدث خلال أزمة القمح الأوكرانية، إذ أن لبنان يستورد أكثر من 80 في المئة من حاجته من القمح من أوكرانيا فقط.


التغير المناخي تهديد للأمن الغذائي

في مهب التعير المناخي.
في مهب التعير المناخي.

 

في هذا السياق، يرى البروفسور في العلوم الغذائية في الجامعة اللبنانية الأميركية حسين حسن، أن "التغير المناخي لم يعد تهديداً بيئياُ فحسب، بل أصبح عاملاً مباشراً يزعزع استقرار الأمن الغذائي في البقاع ولبنان ككل، صمودنا اليوم يتطلب ممارسات زراعية مستدامة، إدارة رشيدة للمياه، وسياسات وطنية واضحة تضمن دعم المزارعين وتعزيز إنتاج غذاء محلي آمن ومستدام". 

 

ويضيف: "إن الاستثمار في البحث العلمي والتعاونيات الزراعية هو السبيل لتعزيز قدرة مجتمعاتنا على التكيف وضمان أمن غذائي للأجيال المقبلة".

 

ولتعزيز الأمن الغذائي في ظل التغيرات المناخية، يتابع حسن، "يجب تبني استراتيجيات متعددة الأبعاد تشمل: ممارسات زراعية مستدامة: الترويج لأساليب زراعية مقاومة للمناخ، مثل الري بالتنقيط (يوفر حتى 70%) واستخدام أصناف محاصيل مقاومة للحرارة والجفاف، بالإضافة إلى تحديث أنظمة التخزين والتبريد لتقليل الخسائر بعد الحصاد.

 

الإدارة الفعالة للموارد المائية: يجب التركيز على تخزين مياه الأمطار وإعادة استخدام المياه المعالجة لضمان توافرها للاستخدام الزراعي، مما يقلل من استنزاف المياه الجوفية (المعدل السنوي في لبنان حوالى 8.6 مليارات م³ لكن يُستفاد فقط من 17% منها).

 

دعم المزارعين: يجب توفير الدعم المالي والتقني للمزارعين، من خلال قروض ميسرة وحوافز لتبني الأساليب الزراعية الحديثة. يمكن أن تخفض الأكلاف 15–20%. كما أن إنشاء أسواق محلية مباشرة بين المزارعين والمستهلكين يقلل من الوسطاء، ويزيد من دخل المزارعين، بنسبة تصل إلى 25% ويعزز استقرار الأسعار، كما هي الحال في السوق الاسبوعية للجمعية اللبنانية للتعايش والانماء "لاكود" في بعلبك والتي تسمح لاكثر من 12 مزارعاً بقاعياً ببيع منتجاتهم مباشرة للزبائن.

 

التعاون المجتمعي: تلعب التعاونيات الزراعية دوراً حيوياً في تعزيز الصمود المجتمعي، فهي تتيح للمزارعين تقاسم الأكلاف والأدوات، وتحسين سلاسل القيمة المحلية، كما في تجربة دير الأحمر الناجحة في زراعة العنب.
السياسات الحكومية والمؤسسات الدولية: على الحكومة والمؤسسات الدولية وضع سياسات وطنية واضحة لإدارة الموارد الزراعية والمائية، مع خطط طوارئ للتكيف مع التغيرات المناخية. كما يجب توفير التمويل اللازم للمشاريع الزراعية الحديثة، ودعم البحث والتطوير لتطوير أصناف محاصيل محسنة ومناسبة للمناخ المحلي".

 

 

.الاستثمار في إدارة الموارد
.الاستثمار في إدارة الموارد

 

لا يمكن فصل الأمن الغذائي عن التغير المناخي، فالعلاقة بينهما وثيقة ومتشابكة. يتطلب الصمود في وجه هذه التحديات جهوداً مشتركة بين المزارعين والمجتمع المحلي والحكومة من جهة، والمؤسسات الدولية من جهة أخرى، لضمان مستقبل زراعي أكثر استدامة وأمناً.

 

ولا بد من الإشارة الى أن الأرقام تظهر بوضوح حجم الخطر، لكنها تبرز أيضاً أن الاستثمار في الممارسات المستدامة، إدارة الموارد، ودعم المزارعين يمكن أن يحول هذه التحديات إلى فرص لبناء مستقبل زراعي أكثر استدامة وأمناً.

الأكثر قراءة

سياسة 10/5/2025 3:09:00 PM
تابعت: "إن الدستور اللبناني يكفل المساواة بين اللبنانيين، مقيمين كانوا أم مغتربين. وتحقيق هذه المساواة يقتضي تعديل القانون الحالي بإلغاء المادة 112، بما يسمح لكل مغترب بالاقتراع في بلدته الأم".
مجتمع 10/4/2025 12:02:00 PM
من المتوقع أن تتأثر المنطقة اعتباراً من بعد ظهر الثلاثاء بمنخفض جوي متوسط الفعالية مركزه شمال غرب تركيا.
مجتمع 10/4/2025 3:23:00 PM
العملية تأتي في إطار الحملة الأمنية التي ينفذها الجيش في المنطقة لضبط المطلوبين ومواجهة التفلّت الأمني منذ ساعات الصباح الأولى.
مجتمع 10/5/2025 1:30:00 PM
أقدم على شهر مسدّس حربي بوجهه وسلبه مبلغ ٣٥٠ دولاراً أميركيّاً ولاذ بالفرار إلى جهةٍ مجهولة.