ماذا بعد خفض الاحتياطي الفدرالي الفائدة بـ0.25%؟
في خطوة طال انتظارها، خفّض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، واضعاً حداً لسياسة الترقب التي انتهجها منذ نهاية العام الماضي. وجاء القرار دعماً لسوق العمل التي بدأت تظهر عليها علامات التباطؤ، في ظل استمرار الضغوط التضخمية.
وصوّتت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة لمصلحة خفض سعر الفائدة المرجعي إلى نطاق يتراوح بين 4% و4.25%، مسجّلة بذلك أول خفض منذ وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بعد خمسة اجتماعات متتالية لم تشهد أي تغيير في السياسة النقدية.
بيان القرار الصادر عن الاحتياطي الفيدرالي لشهر أيلول/سبتمبر حمل نبرة مختلفة مقارنة ببيان تموز/ يوليو، الذي كان قد أشار إلى تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي في النصف الأول من العام، بينما بقي معدل البطالة منخفضاً، وظلت ظروف سوق العمل قوية، مع تسجيل التضخم لمستويات مرتفعة نسبياً.
التوقعات الفصلية المحدّثة التي نُشرت بالتزامن مع القرار كشفت عن اتجاه أكثر ميلاً نحو التيسير، حيث يتوقع مسؤولو السياسة النقدية خفضاً إضافياً بمقدار 50 نقطة أساس بنهاية العام، بالإضافة إلى ربع نقطة أخرى في عام 2026، وهي توقعات تفوق ما تم الإعلان عنه في التقديرات السابقة الصادرة في حزيران/ يونيو.
ويبدو أن إشارات رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، التي أطلقها في مؤتمر "جاكسون هول" في آب/ أغسطس، قد مهدت الطريق لهذا القرار. ففي تصريحاته حينها، أشار إلى أن تغيرات الأخطار قد تستدعي "إعادة النظر في أسعار الفائدة"، موضحاً أن استقرار البطالة يسمح باتخاذ خطوات حذرة أثناء إعادة تقييم موقف السياسة النقدية.
يأتي هذا التوجه في وقت تواجه فيه سوق العمل الأميركية ضغوطاً متزايدة، بينما يواصل التضخم تسجيل مستويات تفوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. فقد ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين العام بنسبة 2.9% على أساس سنوي في آب، بينما بلغ مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي 3.1%، بما يتوافق مع التوقعات. وعلى رغم بقاء التضخم فوق المستهدف، فإن غياب مؤشرات تصعيد واسعة للضغوط السعرية بفعل الرسوم الجمركية خفّف من حدة المخاوف، وعزز التوقعات بخطوات أكثر تيسيراً من جانب البنك المركزي.
ويعد هذا الخفض هو الأول خلال فترة رئاسة ترامب، الذي طالب مراراً بخفض حاد لأسعار الفائدة بمقدار لا يقل عن 300 نقطة أساس خلال العام الجاري.

وفي ما يتعلق بتقديرات الاقتصاد الكلي، أبقى الفيدرالي على توقعاته للتضخم الأساسي عند 3.1% بنهاية 2025، وهو المستوى نفسه المتوقع في حزيران. كما رفع توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.6% في 2025 و1.8% في 2026، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 1.4% و1.6% على التوالي.
ردّ فعل الأسواق كان سريعاً، إذ ارتفع الدولار مقابل سلة من العملات الرئيسية، بعد أن فسر المستثمرون بيان الفيدرالي على أنه أقل ميلاً إلى التيسير مما كان يُتوقع. كما شهدت العقود الآجلة للمؤشرات الأميركية مكاسب، مما يعكس تحسناً في المعنويات رغم استمرار حالة عدم اليقين بشأن وتيرة التيسير النقدي في الفترة المقبلة.
في المقابل، استعادت سندات الخزانة الأميركية جزءاً من خسائرها، بينما ارتفع مؤشر الدولار لليوم الثاني على التوالي، مدعوماً بتصريحات جيروم باول الذي وصف خطوة خفض الفائدة بأنها "إجراء لإدارة المخاطر".
أسعار الذهب شهدت بدورها قفزة سريعة إلى ذروة بلغت 3,707.57 دولارات للأونصة بعد الإعلان، إذ إن المعدلات المنخفضة للفائدة تعزز جاذبية المعدن الأصفر، باعتباره أصلاً لا يدرّ عائداً. إلا أن الذهب أنهى الجلسة على تراجع بنسبة 0.8%، بعد أن قرأ المتعاملون نبرة الفيدرالي على أنها أقل انفتاحاً على مزيد من التيسير مما كانوا يأملون.
وفي آسيا، تفاعلت الأسواق بشكل إيجابي، حيث سجلت الأسهم في اليابان والصين وكوريا الجنوبية ارتفاعات ملحوظة. أما أسعار النفط، فقد واصلت تراجعها في ظل تزايد المخزونات الأميركية، وتقييم المستثمرين لأثر قرار خفض الفائدة على الطلب العالمي.
يُذكر أن مؤشر الأسهم العالمية كان قد بلغ مستوى قياسياً هذا الأسبوع، مدعوماً بتوقعات قوية لخفض الفائدة. وعلى رغم أن الفيدرالي نفذ هذا الخفض، إلا أن المسؤولين أكدوا أن قرارات السياسة المستقبلية ستُتخذ "اجتماعاً تلو الآخر"، في إشارة إلى عدم وجود مسار ثابت أو مضمون لتوجه السياسة النقدية، مع تحذيرات ضمنية من أن الطريق إلى تحقيق أهداف البنك المركزي قد لا يكون خالياً من المخاطر.
ويشير مراقبون إلى أن مكاسب الدولار قد لا تدوم طويلاً، إذ من المتوقع أن تصدر تصريحات جديدة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع المقبل بنبرة أكثر ميلاً إلى التيسير، وهو ما قد يعيد الضغط على العملة الأميركية.
*جو يرق، رئيس قسم الأسواق العالمية - Cedra Markets
نبض