الفيدرالي يلين والبنوك العربية تواكب بخفض مماثل.. فكيف ستتأثر محفظتك؟
في مساءٍ ثقيل الإيقاع، خرج جيروم باول من خلف المنصّة كمن يوازن بين كفتين: تضخّم لا يلين، وسوق عمل تتنفس بصعوبة. ربع نقطة مئوية فقط… لكنها كفيلة بإعادة تموضع التوقعات وفتح موسم طويل من الأسئلة. من هنا تبدأ الحكاية.
قرار بربع نقطة… وإشارة مزدوجة
الفيدرالي الأميركي خفّض أمس الفائدة 25 نقطة أساس إلى نطاق 4.00%–4.25%—أول تخفيض في 2025—ورسم بخط متردّد مسار تخفيضين إضافيين هذا العام. القرار لم يكن بالإجماع: ستيفن ميران، العضو المُثبّت هذا الأسبوع، والآتي من بيت ترامب السياسي، أراد 50 نقطة دفعة واحدة. الرسالة الرسمية ظلّت متماسكة: "انتظرنا لنقيّم أثر الرسوم الجمركية على الاقتصاد… وكان الانتظار صائبًا"، يقول باول.
الترجمة العملية؟ البنك يلين، لكنه لا يستسلم. يفتح الباب، لكنه يُمسك بالمفصل.
صراع السلطة… الفيدرالي بين المطرقة والسندان
خلف الجملة التقنية صخبٌ سياسي. البيت الأبيض ضغط أشهراً لخفض أسرع. محاولة إزاحة الحاكمة ليزا كوك تحوّلت إلى ملف قضائي، والمحاكم منحتها البقاء موقتاً. باول يردّ بجملة قصيرة محمّلة بالمعنى: "نحن ملتزمون بقوة باستقلالنا".
على الطاولة أيضاً تعيين ميران—وهو مستشار سابق للبيت الأبيض—صوتاً داخل المجلس يفضّل خفضًاً جريئاً وتصويتاً أجرأ على تخفيضات مستقبلية. توازن دقيق: سياسة نقدية تتخفّف، ومؤسسة تقاتل لتبقى فوق السياسة، لا داخلها.
ما يظهر على البيان أن الأرقام التي قادت القرار،،، إضافة إلى أن سوق عمل باتت تخفت، كانت كفيلة بتبرير القرار.
خلف ربع النقطة، دفتر بيانات لا يرحم:
- الوظائف: تباطؤ واضح. آب/أغسطس أضاف 22 ألفاً فقط. حزيران/يونيو أُعيدت قراءته إلى –13 ألفاً. تموز/يوليو دون وتيرة العام الماضي. البطالة 4.3% وتتجه—بحسب توقعات الفيدرالي—إلى 4.5%.
- التضخّم: عنيد. 3.1% على المقياس الأساسي في آب/أغسطس، بلا تحسّن عن تمّوز/يوليو.
- النمو: ترقية طفيفة إلى 1.6% لعام 2025.
الخلاصة الحسابية: الطلب يبرد، لكن الأسعار لا تتنازل بالسرعة المأمولة. هنا وُضعت ربع النقطة على الطاولة لمتابعة تأثير التعريفات الجمركية مستقبلاً.
المخطط النقطي: خريطة نوايا الأعضاء لا تُشبه نفسها
اللوحة الربعية لآراء الأعضاء خرجت منقسمة بصدق:
تسعة يريدون ثلاثة تخفيضات هذا العام، ستة يرون تخفيضاً واحداً، عضو بلا تخفيضات، وآخر يذهب بعيداً إلى ستة تخفيضات. للعام المقبل، تخفيض واحد في المتوسّط.
هذه ليست صدفة؛ إنها صورة توتّر التفويض المزدوج: استقرار الأسعار مقابل أقصى توظيف. باول يلخّص: "لا طريق بلا مخاطرة". والتخفيض جاء لإدارة المخاطر.
ما الذي سمعته الأسواق (وما لم تسمعه بعد)
المستثمرون قرأوا جملة باول كما هي: تيسير محسوب مع تعهّد بالحذر. لا وعود ذهبية، ولا محور دراماتيكياً. الرسالة الأخطر كانت بين السطور: التخفيضات مشروطة؛ أي تسارع مفاجئ في التضخّم—خصوصاً مع تمرير الرسوم الجمركية إلى الأسعار—سيُبطئ المسار ويشدّ العائدات القصيرة من جديد.
في المقابل، استمرار ضعف الوظائف يضغط لخفضٍ ثالث قبل نهاية العام. المعادلة مفتوحة، والبيانات هي الحكم. وهذا ما جعل الأسواق تترنح؛ من عمليات جني الأرباح وانخفاض أصول المخاطرة، إلى العودة إلى شراءات المخاطرة في الأمس على آمال وقع تخفيضات أخرى هذا العام. لكن السؤال يبقى: ماذا لو تسارع التضخم أكثر قبل اجتماع تشرين الأول/أكتوبر؟ فالمخاطر ستتحول إلى أوسع، والأسواق ستتذبذب على وقع تسعيرات الفائدة قبل القرار نفسه!
ماذا يعني القرار لجيبك ومحفظتك؟
- القروض العقارية وقروض الشركات: الانفراج سيكون تدريجياً؛ لا انهيار في الكلفة. المصارف ستقيس المخاطر قبل التسعير.
- السندات: الجبهة قصيرة الأجل قد تشهد إعادة تسعير صعودية لو شدّد باول نبرته ضد التضخم لاحقًا، فيما يبقى الأجل الطويل أسير توقعات النمو والميزانية الفيدرالية.
- الأسهم: قطاعات النمو تستفيد من كلفة رأسمال أخفّ، لكن أي صعود في العوائد الحقيقية يُعيد توزيع الأوراق بسرعة.
- الذهب: يقتات على عدم اليقين. خفضٌ تدريجي مع تضخم ثابت يعني أرضية أعلى، لكن قوّة الدولار—إن حدثت—تُبطئ الاندفاعة.
أين يذهب مسار الفائدة من هنا؟
المسارات ثلاثة، وكلها قابلة للتبدّل سريعًا:
المسار الأساسي: تخفيضان إضافيان هذا العام، واحد في 2026، تضخّم بطيء التراجع، وبطالة ترتفع قليلًا دون ركودٍ عميق.
المسار المتشدّد: تمريرٌ أقوى للرسوم الجمركية إلى الأسعار، تعافي إنفاق يوقظ الخدمات، تباطؤ التخفيضات وربما توقفها، وذلك قد يقلص التخفيضات إلى واحدة.
المسار السلس: تراجع مفاجئ في التضخم، تباطؤ أوضح في الوظائف، وتيرة خفض أسرع دفاعًا عن سوق العمل.
يبدو أن المسار الأساسي حتى الآن ذو معالم أوضح... لكن البيانات هي الحكم والفيصل.

صدى عربي: خفضٌ متزامن عبر الخليج… ربط بالدولار وتسريع لآلية الانتقال
بينما خفّض الفيدرالي الفائدة ربع نقطة، التقطت البنوك المركزية العربية- المرتبطة عملاتها بالدولار-الإشارة فوراً، وحرّكت الفائدة بالاتجاه نفسه. بنك الكويت المركزي خفّض سعر الخصم إلى 3.75% بدلًا من 4% اعتباراً من 18 أيلول/سبتمبر، مؤكّداً نهجه "المتدرّج والمتوازن" لحفظ الاستقرار النقدي والمالي، واستعداده لاستخدام "مختلف الأدوات" لتعزيز الثقة بالدينار. في السعودية، قرّر البنك المركزي خفض الريبو إلى 4.75% والريبو العكسي إلى 4.25%، ربطًا بالتطوّرات العالمية وهدف تثبيت الاستقرار النقدي.
البحرين خفّضت فائدة الودائع لليلة واحدة إلى 4.75%، وعُمان خفّضت الريبو إلى 4.75% تماشياً مع الربط بالدولار. قطر خفّضت أسعارها الرئيسية: الإيداع 4.35%، الإقراض 4.85%، وإعادة الشراء 4.60%.
أما الإمارات فخفّضت تسهيلات الإيداع لليلة واحدة إلى 4.15% من 4.40%، كما قرّرت لجنة عمليات السوق المفتوحة في البنك المركزي الأردني في اجتماعها السادس لهذا العام، تخفيض "سعر الفائدة الرئيسي" للبنك المركزي وبقية أسعار فائدة أدوات السياسة النقدية بمقدار 25 نقطة أساس، وذلك اعتباراً من الأحد المقبل.
المعنى المالي؟ في الاقتصادات المربوطة بالدولار، ينتقل قرار واشنطن إلى العواصم العربية بسرعة—لكن التأثير محليّ الطابع: كلفة التمويل البنكي تتراجع هامشياً، فتتحسّن شروط القروض العقارية وقروض الشركات تدريجياً، وتُلتقط أنفاس في القطاع غير النفطي من دون التفريط باستقرار العملات. ومع فوائض سيادية وقدرة تمويلية مرتفعة، تستطيع هذه البنوك المركزية تنعيم الدورة الائتمانية من دون إشعال تضخّم إضافي، بشرط بقاء الأسعار العالمية تحت السيطرة. الرسالة المشتركة كانت واضحة: تيسير محسوب، انضباطٌ نقدي، واستعداد دائم للتدخّل إذا انحرفت التوقعات—وهو بالضبط ما تحتاجه المنطقة في موسم عالمي تتزاحم فيه الرسوم الجمركية، أسعار الطاقة، وتذبذبات الدولار.
** رئيس الأبحاث وتحليل الأسواق في مجموعة إكويتي
نبض