من القمم إلى الهاوية: هل ينفجر بالون الذكاء الاصطناعي؟

عبد المنعم يوسف*
المستقبل الاقتصادي والنمو المحقق للعوائد على الاستثمارات المالية الضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي يحمل في طياته حالياً تحذيرات جدية من خطر تشكيل فقاعة استثمارية، مع احتمال انفجارها في وقت قريب، وذلك بسبب التسابق المحموم في الاستثمارات، والسهولة المفرطة في وفرة المبالغ الضخمة (عشرات تريليونات دولار أميركي) من صناديق التوظيف السيادية،، والمبالغة في التقييمات المالية في ساحات البورصة العالمية، والمنافسة الحادة بين الشركات العملاقة، والإرتفاع المتزايد بوتيرة غير مسبوقة في أكلاف انتاج الطاقة (للتغذية والتبريد) والصيانة والتشغيل، على ضوء التنظيمات المستمرة المتعلقة بالحفاظ على البيئة وضرورة معالجة الاحتباس الحراري.
يشير العديد من التقارير (النائمة) لدى بيوتات الخبرة العالمية وايضا التحليلات المتأنية لدى أصحاب رؤوس الأموال، إلى حماسة مفرطة حيال الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي. وقد انعكست هذا الحماسة على ارتفاع مزيف وحاد جداً في تقييمات اسعار الأسهم. وهذا النمط في التسارع الحاد وغير المبرر في التقييمات هو تماماً ما يذكر الاقتصاديين بنمط معروف في تشكل الفقاعات الاستثمارية، خصوصاً في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات. كذلك الذي حصل على سبيل المثال مع شركات انتاج الإنترنت وشركات الأقمار الصناعية الثابتة للانترنت خلال فقاعة 1995-199، وذلك الذي حصل في أسواق العملات المشفرة في 2010 - 2015.
إن التصريحات التي أدلى بها أخيراً سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة "أوبن إيه آي"، وتصريحات غيره من المستثمرين الكبار، تتحدث جدياً عن المخاطر التي قد تنتج من المبالغة في تقدير الأرباح، وتشدد على ضرورة التركيز على النمو المستدام وعلى الممارسات التجارية والاستراتيجية الأخلاقية، بدلاً من الرغبة في تحقيق الأرباح والعوائد السريعة من جهة، وتحقيق النمو على حساب قتل اسواق كاملة لأعمال أخرى مختلفة ومستقرة من جهة أخرى.
إن المؤشرات العائدة الى تجميد خطط التوظيف لدى الشركات العملاقة للذكاء الاصطناعي، والشروع في تقليص عدد المستخدمين، وتراجع القيمة السوقية لشركات البنية التحتية السحابية للذكاء الاصطناعي بأكثر من 40% خلال فترة وجيزة، تؤكد وجود هشاشة في السوق الاستثمارية في هذا القطاع. قد تتحول فجأة، بفعل كرة الثلج المنحدرة، إلى فقاعة مؤلمة على المستوى العالمي.
لقد ظهر العام الحالي 2025 كأنه مفترق طرق مهم لسوق الذكاء الاصطناعية. فقد شهدت الشركات الكبرى خسائر حادة في قيمة الاسهم في البورصات العالمية المتخصصة، وتحركت الأسواق بسرعة من حالة نهمٍ استثماري إلى حالة ذعر، بما ينبئ بانفجار الفقاعة بالفعل، إذ ان شركات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا قد خسرت ما يزيد عن تريليون ونصف تريليون دولار أميركي خلال أيام معدودة.
هناك العديد من الخبراء العاملين في صناديق الإئتمان والاستثمار المشهورة بدأوا يتوقعون أن يُسمع "صوت الفرقعة المزعج" لانفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي قبل نهاية هذا العام، خصوصاً بعد الخفوضات الحادة في قيمة أسهم الكثير من الشركات. رغم ذلك، يرى بعض الخبراء أن قيمة الذكاء الاصطناعي الجوهرية لا تزول، لكن القطاع سيواجه تصحيحاً حاداً في الأسعار وأداء الأسواق.
وبالتالي فإنه يتوجب على المستثمرين في مجال صناعة البنية التحتية وبرمجة اللوغاريتمات الثقيلة والعميقة للذكاء الاصطناعي، تبني سياسات حذرة، ومتابعة التطورات التقنية، وملء الفجوات التنظيمية الهائلة بالسرعة القصوى، وتوقع تقلبات قوية في أسعار السوق، خصوصًاً في الفترة المقبلة.
كل هذه المعطيات تشير بوضوح إلى وجود احتمال واقعي لانفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي في وقت قريب، مع حتمية تصحيح سوقي عنيف، خصوصاً في ظل المبالغة في التقييمات والمخاطر المرتبطة بنموذج الأعمال الحالي.
* المدير العام السابق لهيئة أوجيرو