اقتصاد وأعمال 24-08-2025 | 21:46

لبنان… اقتصاد البونزي

من شركات الاستثمار الوهمية في التسعينيات، إلى شبكات التسويق المتعددة الطبقات في الألفية الجديدة، وصولاً إلى قضايا كبرى مثل صلاح عز الدين – الذي لُقّب بـ"مادوف لبنان" – كلّها كانت نسخاً مختلفة من النموذج نفسه.
لبنان… اقتصاد البونزي
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

عادةً ما ترتبط كلمة "بونزي" في أذهان الناس بمحتال فردي أو شركة وهمية تعد بعوائد مذهلة قبل أن تنهار فجأة. لكن في لبنان، البونزي لم يكن استثناءً ولا حادثة عابرة؛ لقد تحوّل إلى أسلوب متكرّر في الاقتصاد، يظهر بأسماء مختلفة في كل عقد، ويعيد إنتاج نفسه في كل أزمة.

 

من شركات الاستثمار الوهمية في التسعينيات، إلى شبكات التسويق المتعددة الطبقات في الألفية الجديدة، وصولاً إلى قضايا كبرى مثل صلاح عز الدين – الذي لُقّب بـ"مادوف لبنان" – كلّها كانت نسخاً مختلفة من النموذج نفسه: وعود تفوق المنطق، تدفقات جديدة لتمويل التزامات قديمة، وانهيار حتمي عند أوّل توقّف.

 

ثم جاء الانكشاف الأكبر: النظام المصرفي نفسه تبيّن أنّه نسخة رسمية من بونزي مقنّن. فقد اعتمدت "الهندسات المالية" على إغراء البنوك بفوائد غير واقعية لجذب ودائع جديدة تسدّ التزامات قديمة. ومع أزمة 2019، ظهر "اللولار" كأوضح تعبير: ودائع مجمّدة، قيمتها تنهار، فيما الوعد بالسيولة بقي حبراً على ورق. هنا لم يعد البونزي مجرد مخطّط فردي؛ بل صار بنية كاملة للاقتصاد.

 

حتى البدائل التي تقدّم نفسها كحلول "مجتمعية" لم تكن مختلفة جوهرياً. فالجمعيات التمويلية الصغيرة والأنظمة التعاونية تستند بدورها إلى استمرار التدفقات وثقة الأعضاء. صحيح أنّها لا تعد بعوائد مالية مباشرة، لكنّها تمنح شكلاً آخر من "العائد": شعوراً بالأمان، مكانة اجتماعية، أو وهم الاستقرار.

 

 


المفارقة أنّ كثيرين كانوا يدركون أن الوعود غير منطقية، لكنّهم فضّلوا الرهان على "الاستفادة قبل الانهيار". عندها لم يعد المواطن يشارك في مغامرة مالية عن جهل أو طمع فقط، بل وجد نفسه محاصراً داخل نظام كامل يعمل بالقواعد ذاتها، إنما بغطاء رسمي وقانوني. هكذا تحوّل البونزي من آلية مالية إلى ذهنية جماعية: ثقافة الطمع الممزوج بالخوف، حيث يعيش المجتمع بأكمله على قاعدة "قد نعرف أنّ النموذج سينهار، لكننا مستمرّون فيه ما دام قائماً".

 

المشكلة اليوم ليست أنّ لبنان وقع في مخطّط بونزي. المشكلة أنّه يعيش فيه. من النظام الرسمي إلى البدائل الموازية، النموذج ذاته يتكرّر تحت أسماء جديدة. والخطر الحقيقي ليس في الانهيارات التي وقعت، بل في احتمال إعادة إنتاجها مجدّداً. فالتاريخ علّمنا أنّ البونزي لا يتغيّر… بل يتكرّر.

 

*فرح مراد، محللة للأسواق في مجموعة IG

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
اقتصاد وأعمال 9/29/2025 10:48:00 AM
في عام 1980، وصل الذهب إلى ذروته عند 850 دولارًا للأونصة، وسط تضخم جامح وأزمات جيوسياسية. وعند تعديل هذا السعر لمستويات اليوم، يعادل حوالي 3,670 دولارًا.
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟ 
النهار تتحقق 9/30/2025 9:34:00 AM
العماد رودولف هيكل ووفيق صفا جالسين معاً. صورة قيد التداول، وتبيّن "النّهار" حقيقتها.