من الخليج إلى المشرق: كريبتو واقع اقتصادي جديد للعرب

يشهد سوق العملات المشفّرة في آب/أغسطس 2025 مرحلة جديدة من التقلّبات اللافتة، حيث سجّلت بيتكوين مطلع الأسبوع المنصرم إنجازًا تاريخيًا بوصولها إلى 124 ألف دولار لأول مرة منذ انطلاقها، قبل أن تتراجع سريعًا إلى نحو 117,500 دولار في منتصف الأسبوع، بانخفاض تجاوز 1%. أما إيثيريوم فخسرت نحو 5% من قيمتها بعد موجة سحب سيولة من الصناديق الاستثمارية، ما أعاد المخاوف بشأن هشاشة السوق. 

لكن المفارقة أن هذا التراجع لم يمنع بعض العملات البديلة من تسجيل مكاسب قوية، إذ قفزت Basic Attention Token أكثر من 14% في يوم واحد، وارتفعت Mantle بنسبة 12%، ما يعكس حالة التنقل السريع للسيولة داخل السوق.

هذه الصورة تشير، بحسب خبراء، إلى أننا أمام ما يُسمى "موسم العملات البديلة"، حيث تستقطب العملات الناشئة المستثمرين بأفكار وتقنيات جديدة. فإن كثيراً من التحليلات تتوقع استمرار الزخم الصعودي على المدى المتوسط. وهناك تقديرات بعودة بيتكوين إلى مستويات 135 ألف دولار خلال الأشهر المقبلة، وربما تتخطى حاجز 150 ألف دولار إذا تواصلت التدفقات المؤسسية، في حين تراهن عملات مثل Kaspa على قفزات تصل إلى 300%، ما قد يضعها ضمن أكبر عشر عملات في العالم.

على المستوى العربي، تقود الإمارات التحول من خلال تشريعات متقدمة وهيئات رقابية متخصصة، إضافة إلى خطوات عملية مثل إعلان طيران الإمارات إدماج العملات الرقمية ضمن خيارات الدفع العام المقبل. السعودية، من جانبها، تتوسع في استخدام تقنيات البلوكشين ضمن "رؤية 2030"، بهدف جعلها جزءاً من نظامها المالي والتجاري. وترى مصر في هذا القطاع فرصة لزيادة قيمة تحويلات المغتربين، بينما يناقش المغرب فتح الباب أمام تنظيم الكريبتو بدلاً من حظره، لإدماجه في اقتصاده الرقمي الناشئ. هذه التحركات تشير إلى وعي متزايد بأهمية أن تكون المنطقة جزءاً من هذه الثورة العالمية، لا مجرد متفرج عليها.

أما لبنان، فرغم الأزمات الاقتصادية والمالية التي أنهكت مؤسساته، فقد وجدت شريحة واسعة من الشباب في العملات المشفّرة متنفساً للاستثمار والادخار خارج النظام المصرفي التقليدي. وهذه الحماسة الشعبية قد تتحول إلى فرصة اقتصادية حقيقية إذا تبنت الدولة اللبنانية سياسات أكثر جرأة، تسمح بإنشاء شركات ناشئة في مجالات "البلوكشين" والتقنيات المالية، وربطها بالأسواق الخليجية والإقليمية.

استغلال هذا القطاع يمكن أن يفتح آفاقاً واسعة أمام الاقتصادات العربية. فالكريبتو لم يعُد مجرد أداة مضاربة، بل بات صناعة متكاملة تشمل البرمجيات، وحلول الدفع، ومنصات التداول، والأمن السيبراني، والتعدين الأخضر. كل مجال من هذه المجالات قادر على خلق آلاف الوظائف للشباب العربي الذي يشكل النسبة الأكبر من سكان المنطقة. كما أن إدماج الكريبتو في قطاعات مثل السياحة والتجارة الإلكترونية والتحويلات المالية يمكن أن يساهم في زيادة حجم الناتج المحلي الإجمالي، ويمنح الاقتصادات العربية مصادر دخل جديدة لا تعتمد فقط على النفط أو التحويلات التقليدية.

اليوم، بينما يعيش الغرب حالة تردّد بفعل السياسات النقدية والضغوط التضخمية، تتحرك المنطقة العربية بخطوات عملية لجذب هذا الاقتصاد الناشئ. المطلوب هو أن يكون العرب في ركب التطور، لا أن يكتفوا بردة الفعل. ويتحقق ذلك بسنّ تشريعات واضحة، وتحفيز الاستثمارات، وتشجيع الشراكات العربية المشتركة، وتبني التعليم الرقمي لتأهيل جيل جديد قادر على قيادة هذا التحول.

بين قمة بيتكوين التاريخية عند 124 ألف دولار وصعود العملات البديلة، يدخل العالم مرحلة جديدة يُعاد فيها رسم ملامح السوق. وفي هذا المشهد، يملك العرب فرصة ذهبية ليكونوا طرفًا فاعلًا في صناعة اقتصاد رقمي جديد يزيد من حجم اقتصاداتهم، ويوفر وظائف لشبابهم، ويمنحهم موقعًا في صدارة الثورة المالية المقبلة.