من موسكو إلى العواصم العربية.. الإمارات تطلق حواراً استراتيجياً يرسم مستقبل المنطقة

في ظل التحولات الدولية المتسارعة، يترسخ الحضور الإماراتي على الساحة العالمية كلاعب مؤثر قادر على بناء الجسور بين القوى الكبرى والعالم العربي.
وتأتي الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى روسيا الاتحادية، لتؤكد متانة الشراكة الإماراتية – الروسية التي تمتد جذورها لأكثر من خمسة عقود، وتمهد لمرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي، تمتد من ملفات الاقتصاد والطاقة إلى قضايا الأمن الإقليمي والدولي.
وقد شكل اللقاء الذي جمع سموه بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين منصة عملية لاستعراض مسارات تطور التعاون الثنائي، خاصة في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والفضاء والطاقة وغيرها من القطاعات ذات الأولوية التنموية للبلدين، انطلاقاً من حرصهما المشترك على مواصلة تعزيز شراكتهما الاستراتيجية.
اتفاقيات جديدة
وعلى هامش الزيارة، شهد الجانبان توقيع "اتفاقية تجارة الخدمات والاستثمار" بين دولة الإمارات وروسيا، والتي تمثل امتداداً لاتفاقية الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وتوفر إطاراً ثنائياً خاصاً للتعاون مع روسيا في مجالات حيوية تشمل التكنولوجيا المالية، والرعاية الصحية، والنقل، والخدمات اللوجستية، والخدمات المهنية.
كما وُقعت مذكرة تفاهم في مجال النقل البري بين وزارتي الطاقة والبنية التحتية الإماراتية والنقل الروسية، ما يعكس تنوع مسارات التعاون.
قمة تشرين الأول
وفي هذا السياق، حظيت القمة العربية – الروسية المقرر عقدها في تشرين الأول (أكتوبر) 2025، بحيز مهم من المباحثات، إذ دعا إليها الرئيس فلاديمير بوتين لتعزيز روابط روسيا مع العالم العربي، وسط توقعات بأن تسهم في فتح آفاق أوسع للتعاون في الاقتصاد والطاقة والأمن، وترسيخ شراكة استراتيجية تخدم مصالح المنطقة وتدعم مكانتها على الساحة الدولية.
ويأتي هذا التحرك الدبلوماسي، الذي يجمع بين الزيارة الرسمية والقمة المرتقبة، ليعزز دور الإمارات كوسيط دولي فاعل، قادر على صياغة مسارات جديدة للتعاون العربي – الروسي، في وقت تتطلب فيه التحديات العالمية حلولاً مبتكرة وشراكات متينة تقوم على المصالح المشتركة والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى.
توقيت بالغ الأهمية
من جانبه، يرى الباحث في العلاقات الدولية محمد ربيع الديهي، في تصريحات خاصة لـ "النهار"، أن القمة العربية – الروسية تأتي في توقيت بالغ الأهمية، إذ تتيح فرصة للحوار مع طرف يتمتع بعلاقات وثيقة مع العديد من الدول العربية.
ويضيف: "موسكو تسعى لتعزيز تعاونها مع المنطقة، خصوصاً في مجالي الأمن والطاقة، في ظل تحولات دولية كبرى كالحرب في أوكرانيا وحرب غزة، ما يمنح الحوار العربي – الروسي طابعاً استراتيجياً مختلفاً هذه المرة".
ويُرجح أن تركز القمة المقبلة على البعد الاقتصادي، خصوصاً قضايا أمن الطاقة ومسارات الإمداد، في ظل الحاجة إلى تنسيق دولي أوسع في هذه المجالات، مشيراً إلى أهمية الدور المحوري للإمارات في هذا المسار بفضل خبرتها في الوساطة وقدرتها على إبرام اتفاقيات نوعية، خاصة في الشأن الاقتصادي.
فرصة تاريخية
وفي الإطار ذاته، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي وضاح الطه، في حديثه لـ"النهار"، أن انعقاد القمة في ظل المشهد الجيوسياسي الراهن يشكل فرصة تاريخية لمد جسور التعاون الاقتصادي، خصوصاً مع قوة محورية كروسيا التي تمتلك موقعاً استراتيجياً ودوراً مؤثراً في أسواق الطاقة العالمية.
ويضيف أن الإمارات، بخبرتها العريقة في جذب الاستثمارات وإدارة الملفات الاقتصادية الدولية، قادرة على صياغة أجندة متوازنة تعزز التنوع في الشراكات العربية مع القوى الكبرى، بما في ذلك روسيا، والصين، والهند، والبرازيل.
ويتوقع أن تشهد القمة بروتوكولات تعاون موسعة في مجالات الأغذية والحبوب والطاقة والتكنولوجيا والفضاء، خاصة مع سعي روسيا لتعزيز اقتصادها بعد تداعيات الحرب في أوكرانيا، ما يفتح آفاقاً واعدة أمام الاقتصادات العربية.