البلوكتشين بديلاً من دفاتر الدولة في لبنان؟

جورج كنيهر
مهندس مالي
في ظل الأزمات الاقتصادية المتتالية التي يعيشها لبنان، أصبح من الضروري التفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول جذرية لمشكلات تتعلق بالفساد، وغياب الشفافية، والضعف البنيوي في إدارة المال العام. إحدى التقنيات التي بدأت تجذب انتباه الاقتصاديين والمشرّعين حول العالم هي البلوكتشين، والتي تعدّ أحد الأعمدة التقنية للثقة الرقمية والشفافية المالية.
والبلوكتشين blockchain سجل رقمي موزّع وغير قابل للتعديل، يسمح بتخزين البيانات بطريقة آمنة وشفافة ومشتركة بين جميع الأطراف. هذه التقنية التي تدعم العملات المشفّرة كـ"البيتكوين"، بدأت تجد تطبيقات أوسع في ميادين الإدارة العامة، من تسجيل الأراضي إلى إدارة الضرائب والجمركة.
يمكن للبلوكتشين ان يقدم للبنان فرصة فريدة لتجاوز المعضلات التي لطالما أعاقت تقدمه المالي، مثل:
- الفساد المالي: من خلال تسجيل كل معاملة في شكل دائم وشفاف على دفتر رقمي موزّع، يصبح من شبه المستحيل التلاعب بالأرقام أو حذف السجلات.
- الافتقار إلى الثقة بين المواطن والدولة: بتوفير قاعدة بيانات مفتوحة وموثوق بها، يمكن إعادة بناء الثقة تدريجاً.
- الازدواجية في الجمارك والضرائب: يمكن النظام أن يتعقب كل عملية استيراد أو تصدير، ما يقلّص التلاعب بالقيمة الجمركية أو التهرب الضريبي.
تطبيقات محتملة في السياق اللبناني
1. الجمارك
يمكن تقنية البلوكتشين أن تسجل كل معاملة جمركية من لحظة دخول السلعة حتى تسليمها، بحيث يمكن مراقبة الرسوم المفروضة، والتحقق من الفواتير، وضمان تطبيق التعرفة الصحيحة من دون تدخل بشري قابل للفساد.
2. الضرائب
عبر ربط النظام الضريبي بالبلوكتشين، يمكن تتبّع دخل الأفراد والشركات بطريقة دقيقة وتلقائية، مما يقلل الحاجة إلى التقدير الجزافي ويحدّ من التهرب الضريبي.
3. الهبات والمساعدات الدولية
غالباً ما يُثار الجدل حول مصير الأموال الممنوحة للبنان من دول ومنظمات. باستخدام البلوكتشين، يمكن أي جهة مانحة متابعة صرف الأموال بدقة من لحظة التحويل حتى استخدامها في مشروع معين، بما يعزز الشفافية والمساءلة.
التحديات الواقعية أمام التنفيذ
البيئة القانونية: غياب إطار تشريعي ينظّم استخدام البلوكتشين قد يشكل عائقاً أمام اعتماده على مستوى الدولة.
القدرة التقنية والمؤسساتية: يتطلب تنفيذ نظام كهذا بنية تحتية رقمية متقدمة، وموارد بشرية مدربة، وهو ما يفتقر إليه لبنان حالياً.
مقاومة القوى المنتفعة من الوضع الراهن: ربما يكون العائق الأكبر غياب الرغبة في تنفيذ آليات قد تقوّض شبكات المصالح، ومن الصعب أن تتخلى شبكات النفوذ التقليدية عن أدوات تحكّمها بسهولة.
مشروع مستقبلي أو وهم؟
ليس وهما، بل فرصة جريئة محفوفة بالتحديات. البلوكتشين لن يحلّ أزمة لبنان المالية بلمسة سحرية، لكنه قد يكون أداة فعالة ضمن استراتيجية إصلاح شاملة تشمل الحوكمة، والمحاسبة، وتحديث مؤسسات الدولة. في حال تمكّن لبنان من تجاوز المعوقات السياسية والتقنية، قد يجد في هذه التكنولوجيا حليفا غير متوقع في معركته ضد الفساد واستعادة الثقة.