الذهب يتراجع مع بداية الأسبوع وسط تحسن شهية المخاطرة وترقب بيانات التضخم الأميركية
استهلت أسعار الذهب تداولات الأسبوع على انخفاض بنحو 1.1% لتتراجع من مستويات 3,405 دولارات إلى قرابة 3,355 دولاراً للأونصة عند كتابة هذا التقرير، متخلية عن جزء من المكاسب التي حققتها الأسبوع الماضي والتي تجاوزت 1.8%. يأتي هذا التراجع وسط تحسن شهية المخاطرة وارتفاع العقود الاجلة لمؤشرات الأسهم الأميركية في ظل توجه المستثمرين نحو الأصول ذات العوائد الأعلى.
وقد أنهى الذهب تعاملات الجمعة على تذبذب ملحوظ بعد إعلان الإدارة الأميركية فرض رسوم جمركية جديدة بنسبة 25% على واردات سبائك الذهب عيار 1 كغ القادمة من سويسرا، بدءًا من الشهر المقبل. القرار جاء بدافع حماية الصناعة المحلية وضمن حزمة أوسع من الإجراءات التجارية، إلا أنه أحدث صدمة في أسواق المعادن النفيسة، إذ تُعد سويسرا أحد أكبر مراكز تكرير الذهب وتصديره عالميًا. هذه الخطوة أثارت مخاوف من اضطراب سلاسل الإمداد وتغيرات في تدفقات التجارة العالمية للذهب، وهو ما أدى خلال عطلة نهاية الأسبوع إلى زيادة حالة الترقب في الأسواق، ودفع بعض المتعاملين الى تقليص تعرضهم للمعدن الأصفر تحسبًا لتقلبات قادمة.
غير أن الأسواق تلقت بعض الطمأنة بعد تصريح وزارة التجارة الأميركية أن هذه الرسوم "إجراء استثنائي ومحدود النطاق" ولن يشمل واردات الذهب الأخرى أو المنتجات المكررة في دول مختلفة، وأن الهدف هو معالجة ممارسات محددة في سلسلة التوريد وليس تقييد التجارة الحرة للذهب بشكل عام. هذا البيان ساعد على تهدئة المخاوف من أزمة أوسع في سوق الذهب العالمية، وقلّص من حدة التذبذب في العقود الآجلة مع بداية الأسبوع الجديد.
الدولار يستعيد بعض القوة قبل بيانات التضخم
ارتفع مؤشر الدولار الأميركي في بداية الأسبوع ليصل إلى 98.26، بعد أن كان قد سجل أدنى مستوى له في شهرين خلال الأسبوع الماضي. جاء هذا التحسن مع تزايد التوقعات بأن بيانات التضخم الأميركية لشهر يوليو، المنتظر صدورها غدًا، قد تُظهر ارتفاعًا سنويًا إلى 2.9% مقارنة بـ 2.7% في حزيرانيونيو، بينما يُتوقع أن يرتفع التضخم الأساسي من 3.1% إلى 3.2%. أي قراءة أعلى من هذه التقديرات قد تدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تأجيل أول خفض للفائدة المتوقع في أيلولسبتمبر.
عمليات جني الأرباح بعد صعود قوي
منذ بداية تموزيوليو حتى نهاية الأسبوع الماضي، ارتفع الذهب من 3,250 دولاراً إلى ما يقارب 3,400 دولار للأونصة، أي مكاسب تجاوزت 4.6% خلال شهر. هذا الارتفاع دفع العديد من الصناديق الاستثمارية إلى إغلاق مراكزها الطويلة الأجل، بخاصة بعد ملامسة الأسعار مستوى المقاومة الفني القوي عند 3,400–3,410 دولارات، وهو ما أدى إلى عمليات بيع لجني الأرباح راوحت بين 20–25 طنًا في أسواق السبائك الفعلية.
مخاوف الركود التضخمي في الخلفية
بيانات الفترة الماضية أظهرت اضافة الاقتصاد الأميركي 73 ألف وظيفة فقط في يوليو، مقارنة بتوقعات راوحت بين 110 و130 ألف وظيفة، مع تعديل سلبي للأشهر السابقة بلغ -258 ألف وظيفة. هذا المزيج المتمثل في ضعف النمو وارتفاع الأسعار أعاد الحديث عن مخاطر الركود التضخمي، وهو حالة يواجه فيها الاقتصاد مزيجًا من تباطؤ أو انكماش في النمو الاقتصادي مع ارتفاع مستمر في معدلات التضخم، مما يجعل التعامل معه بالسياسات الاقتصادية التقليدية أمرًا بالغ الصعوبة. ففي الظروف الطبيعية، إذا ارتفع التضخم، تتجه البنوك المركزية الى رفع أسعار الفائدة لكبح الأسعار، لكن ذلك يبطئ النشاط الاقتصادي، أما إذا كان النمو ضعيفًا أو الاقتصاد في حالة ركود، فإن خفض الفائدة وتحفيز الطلب يكون هو الخيار الأنسب، إلا أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى زيادة التضخم. وتكمن خطورة الركود التضخمي في أنه يضع صناع القرار أمام معضلة مزدوجة، حيث إن تشديد السياسة النقدية قد يفاقم البطالة ويعمق الركود، بينما يؤدي تيسيرها إلى تغذية التضخم وتآكل القدرة الشرائية. وهو ما قد يدعم الذهب على المدى الطويل، لكنه في المدى القصير يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف أكثر حذرًا.
ترقب تقرير التضخم الأميركي
تقرير التضخم المنتظر غدًا سيكون محوريًا للأسواق. السيناريو الإيجابي للذهب يتمثل في تسجيل قراءة سنوية أقل من 2.8% أو تراجع التضخم الأساسي دون 0.3%، ما قد يرفع احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر إلى أكثر 85%. أما السيناريو السلبي فيتمثل في تسجيل قراءة أعلى من المتوقع، وهو ما قد يخفض تلك الاحتمالات، ويعزز مكاسب الدولار على حساب الذهب.
الصورة الأوسع لسوق الذهب
على المدى الطويل، يظل الذهب متماسكًا فوق متوسطه المتحرك لـ 100 يوم 3250 دولاراً، وهو ما يعكس بقاء الاتجاه الصاعد العام قائمًا. لكن في المدى القصير، تبقى حركة الأسعار مرهونة بنتائج بيانات التضخم ورد فعل سوق السندات الأميركية، بخاصة أن عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات ارتفع حاليًا إلى 4.15%، مقتربًا من أعلى مستوى في شهر، وهو ما قد يحد من مكاسب الذهب في الأيام المقبلة.
نبض