اقتصاد وأعمال 09-08-2025 | 07:44

الذهب يدخل قلب المعركة: كيف أشعل ترامب مواجهة تجارية مع سويسرا وأربك أسواق المعادن؟

في لحظة بدت كأنها جزء من استراتيجية مدروسة، أعلن البيت الأبيض فرض رسوم جمركية على سبائك الذهب بوزن كيلوغرام و100أونصة.
الذهب يدخل قلب المعركة: كيف أشعل ترامب مواجهة تجارية مع سويسرا وأربك أسواق المعادن؟
صورة تعبيرية (وكالات)
Smaller Bigger

لم يكن الذهب يوماً مجرد معدن لامع يحفظ الثروات في أقبية البنوك، لكنه أيضاً لم يكن ورقة تفاوض تجارية صريحة. هذا حتى جاء دونالد ترامب الذي قرر أن يزج بالذهب نفسه في قلب واحدة من أكثر المواجهات التجارية إثارة للجدل بين واشنطن وبرن. ففي لحظة بدت كأنها جزء من استراتيجية مدروسة، أعلن البيت الأبيض فرض رسوم جمركية على سبائك الذهب بوزن كيلوغرام و100 أونصة، وهو ما أطلق سلسلة من الارتدادات العنيفة في الأسواق العالمية، وأعاد رسم ملامح الصراع التجاري بين البلدين.

 

من أين بدأت القصة؟
الشرارة انطلقت من أرقام صادمة في ميزان التجارة بين سويسرا والولايات المتحدة. ترامب رأى في العجز التجاري الأميركي مع برن – البالغ نحو 48 مليار دولار – دليلًا على أن الشركات السويسرية "تستفيد أكثر مما تعطي". ورغم أن الاتحاد الأوروبي واليابان وبريطانيا حصلت على صفقات تخفف الرسوم، فإن سويسرا وجدت نفسها أمام جدار أميركي صلب، وُضع في وجه صادراتها بنسبة 39%، وهي النسبة الأعلى بين كل الدول المتقدمة، متجاوزة حتى خصوم واشنطن التجاريين التقليديين.
وعندما حاولت الرئيسة السويسرية كارين كيلر-سوتر التفاوض مباشرة في واشنطن، لم تحصل حتى على لقاء مع ترامب، واضطرت للاكتفاء باجتماع مع وزير الخارجية ماركو روبيو، الذي لا يملك سلطة على ملفات التجارة. النتيجة: لا اتفاق، ولا خفض للرسوم، ولا حتى وعوداً بالبحث في الأمر.

 

لماذا الذهب في قلب العاصفة؟
هنا تتعقد القصة. سويسرا هي أكبر مركز لتكرير الذهب في العالم، إذ يمر عبرها أكثر من 2000 طن من المعدن النفيس سنوياً، معظمها من إفريقيا وآسيا وأوستراليا وأميركا الجنوبية. ويتم إعادة تصدير الذهب بعد تكريره إلى أسواق كبرى، أبرزها الولايات المتحدة.
لكن المفارقة أن القيمة الهائلة لهذه الصادرات لا تعكس الأرباح الحقيقية للقطاع السويسري، إذ أن شركات التكرير – وعددها خمس فقط – توظف نحو 1500 شخص وتجني أرباحاً ضئيلة مقارنة بقيمة الذهب الخام نفسه. ورغم ذلك، أصرّت الإدارة الأميركية على إدخال الذهب في حسابات العجز التجاري، ما جعل الأرقام تبدو أكبر بكثير، ومنح ترامب ذريعة لفرض الرسوم.


صدمة في أسواق المعادن
قرار الجمارك الأميركية إعادة تصنيف السبائك تحت رمز جمركي خاضع للرسوم كان بمثابة زلزال في أسواق الذهب. العقود الآجلة في نيويورك قفزت إلى مستويات قياسية عند 3,534 دولاراً للأونصة، مع ارتفاع الفارق بين الأسعار المحلية والعالمية إلى أكثر من 100دولار للأونصة، وهو رقم يعكس توقعات المستثمرين بحدوث اضطرابات في تدفق الإمدادات.
تجار ومحللون تساءلوا: هل هذا خطأ إداري أم سياسة مقصودة؟ هل ستشمل الرسوم كل أنواع السبائك أم فقط أحجاماً معينة؟ وحتى لو تم استثناء السبائك الكبيرة بوزن 400 أونصة – الأكثر شيوعًا في لندن – فهل سيلجأ الموردون إلى إعادة صهرها بأشكال أصغر لتجاوز الرسوم؟

 

صورة تعبيرية (وكالات)
صورة تعبيرية (وكالات)

 

برن بين الديبلوماسية والضغط الداخلي
المجلس الفيدرالي السويسري عقد اجتماعاً طارئاً بعد فشل زيارة كيلر-سوتر، لكنه قرر عدم الرد برسوم مضادة في الوقت الحالي، مفضلاً التركيز على دعم الشركات المصدرة ومحاولة إبقاء باب التفاوض مفتوحاً. حتى مقترحات استثمار 150 مليار دولار في السوق الأميركية أو خفض الرسوم إلى 10% لم تلق آذاناً صاغية في واشنطن.

في الداخل، بدأ الضغط السياسي يتصاعد، بحيث دعت زعيمة حزب الخضر ليزا مازوني، إلى فرض رسوم بنسبة 5% على صادرات المعادن الثمينة خطوة رد اعتبار.

 

 

التاريخ يعيد نفسه ولكن بلمسة ذهبية
هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الرسوم الجمركية أداة ضغط على شريك تجاري. لكن المختلف اليوم أن السلاح هو الذهب، وهو سلعة ذات بعد رمزي ومالي عالمي، ترتبط بالاستقرار النقدي والثقة في الأسواق. إدخالها إلى ساحة الصراع يرسل إشارة مقلقة: حتى أكثر السلع "حياداً" يمكن أن تصبح رهينة في لعبة النفوذ السياسي.

 

 

أوروبا أمام معضلة الرد: بين وحدة الصف ومصالح الذهب
 سويسرا ليست عضواً في الاتحاد الأوروبي، وهي ترتبط بالاتحاد عبر سلسلة من المعاهدات الثنائية التي تبنت فيها العديد من أحكام قانون الاتحاد الأوروبي.

 

في الكواليس الأوروبية، لا يقتصر القلق على برن وحدها. فالتصعيد الأميركي ضد الذهب السويسري — وما سبقه من فرض رسوم بنسبة 39% على كامل الطيف السلعي تقريباً — يثير هواجس في بروكسيل وباريس وبرلين على حد سواء. الاتحاد الأوروبي، الذي نجح أخيراً في انتزاع اتفاق إطار مع واشنطن يجنّبه أقسى التعريفات، يدرك أن الضربة التي أصابت سويسرا قد تمتد عدواها إذا قرر ترامب إعادة النظر في استثناءات الذهب أو غيره من السلع الحساسة.

 

من الناحية الاقتصادية، لا يُنظر إلى الذهب على أنه مجرد معدن ثمين، بل أداة سيولة واستثمار عابرة للحدود، تمر عبر ممرات تجارية تشترك فيها مصافي لندن وزيورخ وباريس. إدخال الذهب السويسري في دائرة الاستهداف قد يدفع الأوروبيين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم في التخزين والتجارة، وربما توسيع شبكات التكرير الداخلية لتقليل الاعتماد على المعابر السويسرية.

 

 

ما بعد العاصفة: الذهب بين السوق والسياسة
قد يرى البعض في هذه الأزمة مجرد فصل جديد من فصول الحرب التجارية التي يخوضها ترامب، لكن الواقع أعمق بكثير. الذهب اليوم لم يعد مخزناً للقيمة فحسب، بل بات ورقة ضغط جيوسياسي قد تُستخدم لإعادة رسم خريطة التجارة العالمية.
في المدى القريب، ستظل الأسواق رهينة الأخبار القادمة من واشنطن وبرن، وقد يتبين أن الرسوم ليست سوى ورقة تفاوض قابلة للطي إذا تحقق مكسب سياسي. أما في المدى البعيد، فإن تسييس تجارة الذهب قد يفتح الباب أمام سوابق خطيرة تشمل معادن وموارد أخرى، في زمن تتقاطع فيه السياسة مع الاقتصاد عند كل مفترق.

 

السويسريون يعرفون أن المعركة الحقيقية ليست حول بضعة ملايين من أرباح التكرير، بل حول مبدأ أكبر: هل يمكن أن يتحول معدن عالمي إلى رهينة نزاع ثنائي؟ ولكن الأهم ما هي السلعة القادمة التي ستتعرض لوابل التعريفات الجمركية الترامبية؟ هل هي الأدوية؟ 

 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟