رسوم ترامب على سوريا: هل تُجهض بوادر التّعافي الاقتصادي رغم رفع العقوبات؟

رغم صدور قرار أميركي إيجابي بإنهاء برنامج العقوبات المفروضة على سوريا، والذي اعتُبر لحظة فارقة قد تسهم في كسر العزلة الاقتصادية التي تعيشها دمشق منذ سنوات، سرعان ما تبددت الآمال المصاحبة لهذا الإعلان في أعقاب توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يقضي بفرض رسوم جمركية بنسبة 41% على عدد من الدول من بينها سوريا، في إطار ما وصفته الإدارة الأميركية بـ"إعادة هيكلة التجارة العالمية لخدمة العمال الأميركيين".
هذا القرار مثّل ضربة مزدوجة للاقتصاد السوري الذي بدأ يتهيأ لعودة تدريجية إلى النظامين الإقليمي والدولي، إذ شكلت الرسوم الجديدة قيداً اقتصادياً صارماً يقوّض فرص التعافي الحقيقي، ويُبقي على مظاهر الحصار بوسائل غير مباشرة في حال تنفيذها.
رسوم جديدة
هذا ووقع الرئيس دونالد ترامب قراراً تنفيذياً يقضي بفرض رسوم جمركية مرتفعة على عدد من الدول التي ترى واشنطن أنها تُحقق فائضاً تجارياً على حساب الاقتصاد الأميركي من بينها سوريا، رغم أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ظل في مستويات متواضعة، وفقاً لبيانات التجارة الخارجية وتقارير مؤسسة "OEC" الاقتصادية العالمية.
فقد بلغت قيمة الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة نحو 11.3 مليون دولار خلال عام 2023، مسجلة نمواً سنوياً بنسبة 16.5% مقارنة بـ5.28 مليون دولار في عام 2018، بينما استقرت في عام 2024 عند مستوى 11.18 مليون دولار.
وتُبين بيانات "تريدينغ إيكونوميكس" أن هذه الصادرات تتركز بشكل أساسي في الصناعات النسيجية والمنتجات الزراعية الخفيفة، بالإضافة إلى زيت الزيتون، والتوابل، والمكسرات، والقطن، والفوسفات الطبيعي، فضلاً عن عدد محدود من المنتجات الحرفية والتراثية، وقد سجلت أبرز السلع المُصدرة في عام 2023 أداءاً لافتاً، حيث بلغت قيمة بذور التوابل نحو 3.01 مليون دولار، وأحجار البناء قرابة 2.3 مليون دولار، فيما وصلت قيمة التحف والمنتجات التراثية إلى 1.31 مليون دولار.
أما صادرات الولايات المتحدة إلى سوريا، فهي تقتصر على مواد كيميائية ودوائية خاضعة لتراخيص خاصة، بالإضافة إلى بعض السلع الغذائية المعلبة مثل أغذية الأطفال والمكملات الغذائية، إلى جانب كميات محدودة من المنتجات الورقية والبلاستيكية.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السوري شريف شحادة لـ"النهار": "الحقيقة أن إبقاء ترامب على الرسوم الجمركية بنسبة 41% له تأثير بالغ على الاقتصاد السوري، بخاصة أن الولايات المتحدة تمثل قوة اقتصادية كبرى، وهذه الرسوم تضر بالحركة التجارية السورية التي بدأت تتعافى بعد رفع العقوبات".
ويضيف شحادة أن الرسوم ستؤثر على عودة النشاط الاقتصادي، وستؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار مقابل الليرة السورية، وزيادة أسعار السلع، ما يُثقل كاهل المواطن الذي يعاني أساساً ضغوطاً معيشية شديدة.
انفراجة ناقصة
ورغم أن قرار رفع العقوبات عن سوريا حمل دلالات سياسية واقتصادية، ينسف فرض رسوم بنسبة 41% على تعاملاتها التجارية جوهر هذه الخطوة، ويُعيد دمشق إلى نقطة البداية.
ويرى عدد من الخبراء أنه حتى تتحقق انفراجة حقيقية، لا بد من مراجعة شاملة للنهج الأميركي تجاه سوريا، لا سيما على صعيد سياسات الرسوم والقيود التجارية، باعتبارها أدوات ضغط تؤثر في حياة الملايين، وتعيق إعادة الإعمار والاستقرار.
قيود تعرقل التعافي
ويرى مستشار المركز العربي للدراسات أبو بكر الديب في حديث إلى "النهار" أن قرار فرض الرسوم لا يقل في تأثيره عن العقوبات الصريحة، قائلاً: "رغم رفع العقوبات، فإن الرسوم الجمركية الجديدة تمثل قيداً استراتيجياً يمنع أي تعاف حقيقي، ويُصعّب مهمة استقطاب الاستثمارات أو فتح قنوات تجارية مع الأسواق العالمية".
ويؤكد الديب أن هذه الخطوة تُرسل إشارات سلبية إلى المستثمرين والمؤسسات الدولية بأن سوريا لا تزال داخل دائرة الاستهداف الأميركي، ما يُعمّق حالة العزلة الاقتصادية، ويعقّد جهود الحكومة السورية في إعادة الإعمار أو إنعاش الاقتصاد الوطني.
أبرز السيناريوهات
ويستعرض أبو بكر الديب أبرز السيناريوهات المتوقعة حول مستقبل الاقتصاد السوري تحت تأثير الرسوم الأميركية، ممثلة في:
السيناريو الأول والمتعلق باستمرار القيود، ويتمثل في استمرار الرسوم الجمركية رغم رفع العقوبات، ما يعني أن الاقتصاد السوري سيبقى رهينة لأدوات الضغط الاقتصادي، وستتواصل المعاناة التجارية، من دون قدرة على الانفتاح نحو الغرب أو جذب رؤوس أموال.
السيناريو الثاني والخاص بالتفاوض والتخفيف التدريجي، ويرتبط هذا السيناريو بإمكان تخفيض الرسوم تدريجياً من خلال وساطات إقليمية أو ضغوط أممية وأوروبية، مقابل تنازلات سياسية من دمشق، لكن هذا المسار سيكون بطيئاً ومعقداً، ويتطلب تسوية شاملة لا تلوح في الأفق القريب.
ويتمثل السيناريو الثالث في تصعيد جديد ومزيد من العزلة، وهو أخطر السيناريوهات، ويقوم على احتمال إعادة فرض العقوبات أو توسيع الرسوم لتشمل دولاً تتعامل مع سوريا، ما يعني انهيار أي محاولات للإنعاش، ودفع الاقتصاد السوري نحو مزيد من الاعتماد على التهريب والتحويلات والمساعدات الخارجية.
ويوضح الديب أنه في كل السيناريوهات، تبقى الرسوم الجمركية المفروضة عاملاً حاسماً في رسم مستقبل الاقتصاد السوري، وبالتالي لا يمكن الحديث عن تعاف اقتصادي جاد في سوريا من دون معالجة هذا القيد الهيكلي الذي تمثله الرسوم الأميركية.