رأس المال البشري: هل الخليج قادر على إنتاج المعرفة؟

اقتصاد وأعمال 11-08-2025 | 08:00

رأس المال البشري: هل الخليج قادر على إنتاج المعرفة؟

تشير أحدث المؤشرات الدولية إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية وقطر، تحتل مراكز متقدمة في مؤشر التنمية البشرية، مما يعكس بيئة مواتية للتطور التعليمي والتقني.
رأس المال البشري: هل الخليج قادر على إنتاج المعرفة؟
تعبيرية.
Smaller Bigger

في زمن تُقاس فيه القوة بامتلاك أدوات المعرفة والابتكار، تبرز أمام دول الخليج العربي فرصة استراتيجية بالغة الأهمية: هل تستطيع هذه الدول التحوّل من مستوردة للمهارات إلى منتجة للمعرفة، أم أن نماذج التنمية القائمة على الاعتماد على الكفاءات المستوردة ستظل تُعيق ولادة منظومات معرفية محلية قادرة على التنافس في اقتصاد الذكاء الاصطناعي والتقنيات المتقدمة والفضاء؟

تشير أحدث المؤشرات الدولية إلى أن دول الخليج، وعلى رأسها الإمارات والسعودية وقطر، تحتل مراكز متقدمة في مؤشر التنمية البشرية، مما يعكس بيئة مواتية للتطور التعليمي والتقني. لكن هذا التقدم لا يقابله أداء مماثل في مؤشر الابتكار العالمي أو مؤشر جودة التعليم. فوفقاً لتصنيفات عام 2024، حلّت الإمارات في المرتبة 32 عالمياً في الابتكار، تلتها السعودية في المرتبة 47 وقطر في المرتبة 49، بينما تراجعت البحرين والكويت وسلطنة عُمان إلى مراتب في السبعينيات. أما في جودة التعليم، فتُظهر تقييمات "QS" و"المنتدى الاقتصادي العالمي" فجوة واضحة بين وفرة الموارد وضعف المخرجات، حيث تعاني العديد من الدول من محدودية البحث العلمي وندرة براءات الاختراع. هذا الواقع يعكس أن التحدي لم يعد في التمويل أو البنية التحتية، بل في بناء منظومات معرفية متكاملة تُنتج الابتكار وتعيد توطينه.

تُسلّط هذه الفجوة بين مؤشرات التنمية والابتكار الضوء على واحدة من أبرز إشكاليات نموذج التنمية الخليجي، والمتمثلة بالاعتماد على الكفاءات والمهارات المستوردة. لكن هذا التحدّي يمكن أن يتحوّل إلى فرصة، إذا ما نُظر إليه من زاوية التنوع المعرفي والانفتاح على المهارات العالمية، حيث يمكن لهذا النموذج أن يشكّل مختبراً حيّاً للتعايش والتسامح، بشرط أن تتمكن الدول من تحويل المعرفة الوافدة إلى معرفة وطنية متجذّرة، تُبنى عليها منظومات إنتاج معرفي فعّالة. فالدول لم تعد تنغلق على نفسها، بل تتفوق من خلال قدرتها على جذب العقول، وتوطين المعرفة. والدول التي تمتلك قاعدة بشرية وطنية قادرة على الابتكار، هي التي ستبقى في طليعة العالم.

فالكفاءات المستوردة شريكة في البناء، لكنها تبقى مرتبطة بعقود عمل، في حين تمثل الكفاءات الوطنية استثماراً طويل الأمد وقادراً على التطوير الذاتي. وهذا يتطلب مشروعاً وطنياً شاملاً، يقوم على بيئة تعليمية محفّزة، ومنظومة بحثية متكاملة، وسياسات اقتصادية وتشريعية داعمة للإبداع، تفتح المجال أمام المبادرة والابتكار.

ويُعدّ الذكاء الاصطناعي اليوم اختباراً مفصلياً لقدرة دول الخليج على التحوّل من استهلاك المعرفة إلى إنتاجها. فالمبادرات الطموحة مثل "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي" في الإمارات، ومراكز الابتكار الرقمية في قطر، تؤشر إلى وعي متزايد بهذه الأولوية. نجاح هذه المبادرات لا يُقاس بحجم الاستثمارات، بل بقدرتها على تخريج علماء ومبتكرين محليين، ينتجون أفكاراً وتطبيقات قابلة للتنافس عالمياً. ودول الخليج تمتلك اليوم مقومات بشرية واعدة، وقد بدأت قياداتها بالفعل في إعادة ترتيب الأولويات نحو تنمية العقول بالتوازي مع تطوير البنى التحتية.

لتحقيق ذلك، يتطلب الأمر استثماراً أكبر في البحث والتطوير، وإطلاق برامج وطنية لبناء العقول في مجالات المستقبل كالذكاء الاصطناعي والفضاء.

أصبحت المعرفة أداة مركزية للحفاظ على المصالح الوطنية، ومن لا يُنتجها سيبقى على هامش الاقتصاد العالمي. ويبقى السؤال المطروح: هل يمتلك الخليج الإرادة لصياغة نموذج تنمويّ قائم على إنتاج المعرفة وتوطينها؟ المؤشرات الأولية واعدة، والعمل الجاد على هذا المسار هو ما سيحدّد موقع الخليج في خريطة العالم الجديد، حيث الفكر هو الأساس، والعقول هي الثروة التي لا تنضب.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً. 
مجتمع 11/21/2025 8:31:00 AM
تركيا وسواحل سوريا ولبنان وفلسطين ستكون من بين المناطق المستهدفة بالأمطار بعد إيطاليا