نتائج الشركات الكبرى تكشف عن أسواق متقلبة وأرباح متباينة: فمن يتقدّم ومن يتراجع؟

شهدت الأسواق العالمية تفاوتاً واضحاً في أداء الأسهم خلال الأسبوع الماضي، إذ تألقت بعض الشركات مدفوعة بنتائج أرباح قوية أو محفزات استراتيجية، بينما تعثرت أخرى تحت وطأة تحديات تنظيمية أو تراجع في التوقعات. ويقدّم هذا المشهد تحليلاً لأداء أبرز الأسهم الرابحة والخاسرة، مع تقييم للتطورات القطاعية والاقتصادية التي أثرت فيها.
في طليعة الأسهم الرابحة، برز سهم شركة بيبسيكو، الذي ارتفع بنسبة 7.4% بعد أن تجاوزت إيراداتها في الربع الثاني التوقعات، محققة 22.5 مليار دولار مقابل 21.7 مليار دولار متوقعة. يعكس هذا الأداء القوي قدرة الشركة على الحفاظ على هوامشها من خلال قوة التسعير، واستمرار الطلب القوي من الأسواق الدولية، مما يبرز مرونة قطاع السلع الاستهلاكية الأساسية في مواجهة الضغوط التضخمية، ويعزز التوقعات الإيجابية لأسهم شركات مماثلة مثل كوكاكولا ونستله، خصوصاً في حال تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي.
أما في قطاع الطيران، فقد حققت يونايتد إيرلاينز مكاسب بنسبة 3.1% بعد أن رفعت توقعاتها السنوية، مدعومة بالأداء القوي لموسم السفر الصيفي وبالاستقرار النسبي في أسعار الوقود. وعلى رغم استمرار ضعف الطلب على السفر لأغراض العمل، فإن الطلب الترفيهي لا يزال كافياً لدفع الإيرادات نحو الأعلى، مما قد ينعكس إيجاباً على شركات مثل دلتا وأميركان إيرلاينز خلال الفترة المقبلة.
في قطاع التكنولوجيا، سجّلت شركة TSMC نمواً بنسبة 3.4% بعد تحقيق أرباح فصلية قياسية، بدفع من زيادة الطلب على رقائق الذكاء الاصطناعي من شركات مثل نيفيديا وأبل. يؤكد هذا الأداء أن شركات أشباه الموصلات تقود تعافي قطاع التكنولوجيا العالمي، مع استمرار التوقعات الإيجابية لشركات مثل AMD وASML للنصف الثاني من العام.
في المقابل، تراجع سهم نتفليكس بنسبة 5% على رغم تسجيل نمو في عدد المشتركين، إذ خيّبت الشركة آمال المستثمرين من حيث متوسط الإيراد لكل مستخدم، وهوامش الربحية. يعكس هذا التحول سلوك السوق، إذ لم يعد النمو الكميّ كافياً وحده لجذب اهتمام المستثمرين، بل أصبح التركيز موجهاً نحو الربحية وجودة الإيرادات. بالتالي، تواجه شركات مثل ديزني وروكو ووارنر براذرز ضغوطاً إضافية لتعزيز أدائها المالي.
أما شركة أبوت لابوراتوريز، فقد شهد سهمها انخفاضاً بنسبة 8.5% نتيجة تباطؤ في النمو ببعض وحداتها التشغيلية، خصوصاً في قطاعات التغذية والتشخيص، إضافة إلى تأثير سلبي من تقلبات أسعار الصرف. يشير هذا إلى أن شركات الأجهزة الطبية بحاجة إلى تجديد الابتكار والتوسع في الأسواق الناشئة للحفاظ على تقييماتها المرتفعة، وهو ما قد ينعكس أيضاً على نتائج شركات مثل ميدترونيك وبوسطن ساينتيفيك.
في القطاع المالي، سجل سهم أميركان إكسبريس تراجعاً بنسبة 2.3% على خلفية مؤشرات حذرة حول سلوك المستهلك وارتفاع معدلات التخلف عن سداد بطاقات الائتمان، مما يشير إلى بداية تراجع في القدرة الشرائية للأسر الأميركية، ويستدعي متابعة دقيقة لنتائج فيزا وماستركارد كمؤشرات مبكرة على اتجاهات الإنفاق والاستهلاك.
يتقاطع هذا الأداء المتفاوت لأسهم الشركات مع السياق الاقتصادي الأوسع الذي شكّلته البيانات الأميركية الأخيرة، ولا سيما أرقام التضخم وسوق العمل. فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) لشهر حزيران/يونيو ارتفاعاً شهرياً بنسبة 0.3%، مما يعكس استمرار ضغوط الأسعار في قطاعات عدة. في المقابل، جاء مؤشر أسعار المنتجين (PPI) دون التوقعات عند +0.0%، في إشارة إلى تراجع الضغوط التضخمية في مرحلة الإنتاج. وعلى صعيد سوق العمل، بيّنت بيانات الوظائف غير الزراعية (NFP) تباطؤاً في نمو التوظيف مقارنة بالأشهر السابقة، مما زاد من ترقّب الأسواق لما ستكون عليه الخطوة المقبلة للفيديرالي الأميركي.
هذه المفارقة بين استمرار التضخم من جهة وتباطؤ سوق العمل من جهة أخرى أثرت بشكل مباشر على أداء الأسهم، ولاسيما في القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة وتكاليف التشغيل. فعلى سبيل المثال، واجهت شركات التأمين الصحي مثل Elevance ضغوطاً ناتجة من ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، في حين استفادت شركات التكنولوجيا وشبه الموصلات من بيئة نقدية لا تزال داعمة نسبياً، مع استمرار شهية المستثمرين تجاه الابتكار ومجالات الذكاء الاصطناعي.
في السياق ذاته، جاءت نتائج عدد من البنوك الأميركية الكبرى، مثل JPMorgan Chase وWells Fargo وCitigroup، قوية ومتجاوزة للتوقعات. فقد سجّل JPMorgan أرباحاً فصلية مدفوعة بارتفاع دخل الفوائد واستقرار الطلب على القروض التجارية، مما يعكس صلابة الموازنة العمومية للبنك ونجاعة استراتيجيته في ظل بيئة نقدية متشددة. كذلك استفادت Wells Fargo من تحسّن الهوامش وزيادة الإيرادات من الخدمات المصرفية، رغم بعض الإشارات التحذيرية في سوق القروض العقارية. وعلى الجانب الآخر، أظهرت Citigroup أداء أضعف نسبياً في بعض نشاطاتها الاستثمارية، مما يسلّط الضوء على التباين في أداء البنوك بحسب نماذج أعمالها.
وتؤكد هذه النتائج أن البنوك الكبرى ما زالت تستفيد من أسعار الفائدة المرتفعة، لكنها في الوقت ذاته تواجه تحدّيات مستقبليّة مرتبطة بتباطؤ الاقتصاد وضعف محتمل في نمو القروض، مما يدفع المستثمرين إلى ترقب نتائج الربع الثالث لتقييم مدى استمرار هذا الزخم الإيجابي.
وتتحوّل الأنظار هذا الأسبوع نحو عدد من الشركات الكبرى التي ستعلن نتائج أرباحها للربع الثاني، والتي سيكون لها دور محوري في تحديد توجهات السوق خلال الفترة المقبلة، ولا سيما في ظل التباطؤ الاقتصادي العالمي والتشدد النقدي المستمر. من أبرز هذه الشركات، تأتي Tesla التي من المقرر أن تعلن نتائجها يوم الثلاثاء، مع تركيز الأسواق على مدى استقرار الطلب العالمي وتوسع الشركة في السوق الصينية، إضافة إلى تطورات مشاريعها في الذكاء الاصطناعي والسيارات الذاتية القيادة.
ويوم الأربعاء، من المنتظر أن تكشف Meta Platforms عن نتائجها، وتتركز الأنظار على أداء قطاع الإعلانات ونمو المستخدمين، إلى جانب تطورات وحدات الذكاء الاصطناعي والميتافيرس التي تستثمر فيها الشركة بكثافة. أما يوم الخميس، فستعلن Intel نتائجها وسط ترقّب لأداء قطاع المعالجات والسيرفرات، بخاصة في ظل المنافسة المحتدمة مع AMD وTSMC. في القطاع الاستهلاكي، تستعد كل من Coca-Cola وMcDonald’s للإفصاح عن نتائجها، مما سيشكل مؤشراً مهماً على سلوك المستهلك الأميركي، خصوصاً في ظل استمرار الضغوط التضخمية على الدخل الحقيقي للأسر.
ختاماً، سيتابع المستثمرون عن كثب نتائج عملاقي قطاع الطاقة Chevron وExxonMobil في نهاية الأسبوع، مع التركيز على تأثير تقلبات أسعار النفط على توزيعات الأرباح وخطط الاستكشاف والإنتاج.
(*) كبير محلّلي الأسواق المالية في FxPro، محاضر جامعي في لبنان وفرنسا.